Page 134 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 134

‫العـدد ‪23‬‬                                                           ‫‪132‬‬

                               ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬                                                       ‫د‪.‬ثناء هاشم‬

       ‫أن نظرية مثل أصل‬          ‫في الثلث الأول من القرن‬     ‫السينما وفلسفة الضعف‪..‬‬
‫الأنواع هي السبب الوحيد‬          ‫التاسع عشر وقبل ظهور‬            ‫قبضة العدمية في مواجهة الحياة!‬

  ‫الذي نفض الرومانسية‪،‬‬                ‫السينما كاختراع في‬
      ‫ولكنه العلم بتوابعه‪،‬‬       ‫أواخر القرن نفسه‪ ،‬كانت‬

 ‫والذي أحدث رد فعل ضد‬                ‫جذوة الرومانسية في‬
     ‫عواطف الرومانسيين‬           ‫أوجها‪ ،‬تصبغ كل المنتوج‬
         ‫وذاتيتهم المفرطة‪.‬‬       ‫الفني في أوروبا من أدب‬
                                 ‫وشعر ومسرح‪ ،‬ثم حدث‬
  ‫لقد دمرت الحرب العالمية‬         ‫أمر غريب بوفاة الشاعر‬
 ‫الأولى القيم الروحية التي‬       ‫الألماني العظيم جوته‪ ،‬أن‬
                                ‫توقف هذا المد الرومانسي‬
    ‫طالما تغنى بها الإنسان‬      ‫فجأة‪ ،‬لتقود فرنسا تغيي ًرا‬
      ‫المبدع‪ ،‬وتلتها الحرب‬        ‫جذر ًّيا في الأدب وتحو ًل‬
                                ‫سمي بعد استقراره قلي ًل‬
   ‫العالمية الثانية التي تغير‬     ‫بالطبيعية والواقعية وما‬
  ‫بعدها وجه العالم تما ًما‪،‬‬       ‫بينهما من تقاطع على يد‬

     ‫العلم والآلة والمجتمع‬           ‫فلوبير وزولا وبلزاك‬
  ‫الرأسمالي المتوحش الذي‬          ‫وغيرهم‪ ،‬واستمدت تلك‬
  ‫قادته الدول المنتصرة في‬
                                     ‫الثورة أساسها ‪-‬كما‬
   ‫هذه الحرب‪ ،‬لقد حولت‬               ‫يذهب الكثيرون‪ -‬من‬
   ‫الرأسمالية كل شيء إلى‬        ‫طبيعة التقدم العلمي الذي‬
   ‫سلعة‪ ،‬واضطر الفنانون‬              ‫ظهرت تباشيره بقوة‬
                                   ‫في القرن التاسع عشر‪،‬‬
       ‫لتحديد انحيازاتهم‪،‬‬         ‫وخاصة ذلك الذي تمثل‬
          ‫واحتدم الصراع‬           ‫في نظرية التطور وأصل‬
                                    ‫الأنواع لداروين‪ ،‬فبعد‬
  ‫وتطاحن بين الرأسمالية‬           ‫أن أعلت الرومانسية من‬
‫والإشتراكية التي نادى بها‬        ‫الإنسان وأبلغته مواضع‬
                                ‫البطولة‪ ،‬جاء العلم ليقرنه‬
   ‫ماركس ورفاقه‪ ،‬وغابت‬         ‫بالحيوان ويصوره صغي ًرا‬
      ‫الحقائق وفقد الكتاب‬           ‫خاض ًعا لقوى مختلفة‬
                                ‫حوله‪ ،‬وتطرف الأدب عند‬
 ‫اليقين تجاه كل ما يحدث‬        ‫كاتب مثل زولا فراح يرجع‬
   ‫حولهم‪ ،‬ووقعوا ضحية‬               ‫بناء الإنسان وعواطفه‬
      ‫الغموض ومحاولات‬          ‫وعلاقاته للنظريات والعلم‪،‬‬
   ‫اكتشاف الحقيقة المبهمة‬            ‫ويصوره عب ًدا للبيئة‬
         ‫حول الوجود كله‪.‬‬            ‫وقوانين الوراثة‪ ،‬وهو‬
   ‫شعر المبدعون كما باقي‬           ‫ما تطرفت فيه المدرسة‬
   ‫البشر بالغربة والغرابة‬       ‫الطبيعية‪ ،‬ولا يعني بالطبع‬
       ‫نحو الحياة‪ ،‬ودشن‬
   ‫جان جاك روسو تعبير‬

  ‫الغربة هذا عندما رأى أن‬
   ‫الحكومات باتت لا تمثل‬
   ‫شعوبها ومن ثم انعزل‬

        ‫الفرد داخل نفسه‪.‬‬
    ‫لقد طور كل من هيجل‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139