Page 139 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 139

‫شعر كافكا أن الإنسان صار جما ًدا‬                              ‫قام بدوره الممثل الكبير‬
   ‫أكثر مما هو مخلوق حي‪ ،‬وأصبح‬                              ‫عماد حمدي‪ ،‬والذي يمكننا‬
       ‫لا يعاني فقط من انطماس‬
     ‫شخصيته بشكل متزايد نتيجة‬                                 ‫أن نري هذا العالم المفكك‬
     ‫معرفته وخبرته‪ ،‬بل من ازدياد‬                            ‫من خلال عينيه ومن خلال‬
     ‫العلاقات الاجتماعية والظروف‬
      ‫المحيطة به غمو ًضا وابها ًما‪،‬‬                             ‫العرض العقلي الساخر‬
                                                                   ‫للأحداث‪ ،‬عن طريق‬
‫وغرس كافكا أسا ًسا متي ًنا لما عرف‬
  ‫بعد ذلك في الأدب والسينما على‬                              ‫المنولوج الداخلي الذي كان‬
           ‫حد سواء بالبطل السلبي‬                             ‫مؤس ًسا للسرد في الفيلم‪،‬‬
                                                             ‫وهو نمط نادر الوجود في‬
   ‫ما نراه من تعليق أنيس‬            ‫كمواطن يعمل موظ ًفا‬     ‫السينما المصرية و يختلف‬
     ‫على الملابس القصيرة‬          ‫بوزارة الصحة بالنهار‬         ‫تما ًما عن مفهوم الراوي‬
      ‫للمرأة التي تسير مع‬     ‫ومدير ليالي السهر والكيف‬        ‫الخارجي أو ما يعرف في‬
                                  ‫لي ًل لشلة العوامة‪ ،‬التي‬
    ‫زوجها‪ ،‬والذي لا يأخذ‬      ‫برغم وجوده بينهم ليرص‬             ‫البنى السردية بالراوي‬
  ‫منحي ديني ولكنه يأخذ‬           ‫لهم الحشيش يعتبرونه‬           ‫العليم‪ ،‬فهو يبدو لنا أنه‬
‫منحي قيمي تهكمي‪« :‬يبقي‬           ‫غائبًا‪ ،‬ويتصرفون أمامه‬        ‫يري العالم على حقيقته‪،‬‬
   ‫عنده الثروة دي ويتمتع‬       ‫بلا حرج‪ ،‬فيما يبدو أنيس‬          ‫فنرى أنيس الذي اعتاد‬
   ‫بيها لوحده‪ ،‬راجل شهم‬          ‫كقطعة من الأثاث فع ًل‪،‬‬          ‫أن يحشش قبل ذهابه‬
   ‫صحيح»‪ ،‬بالرغم من أن‬           ‫لكنه رغم صمته البادي‬         ‫للعمل‪ ،‬وهو يري رئيسه‬
  ‫اجبرن ونمكف يقول «إن‬            ‫ولا مبالاته لا يكف عن‬         ‫في العمل وقد نقش على‬
  ‫القيمة كالذوق لا تخضع‬                                      ‫قفاه التوقيعات والأختام‪،‬‬
  ‫للقياس»‪ ،‬وهو ما يؤكده‬             ‫الحديث لنفسه طوال‬       ‫ويكتب تقري ًرا لهذا الرئيس‬
                              ‫الوقت‪ ،‬لا نعرف هل صوته‬          ‫من سطرين بما تبقي في‬
    ‫الدكتور فؤاد الأهواني‬     ‫الداخلي وعي لا قيمة له في‬       ‫القلم من حبر‪ ،‬إنه يتعمد‬
    ‫الذي يري «أن القيم في‬     ‫مجتمع متفسخ من أساسه‬
 ‫صميمها إنسانية وتختلف‬                                            ‫الغياب والحضور في‬
   ‫عن الموجودات خارجنا‪،‬‬         ‫أم خوف‪ ،‬فالمهمشون من‬          ‫ذات الوقت وبنفس القوة‬
 ‫والتي يمكن قياسها طو ًل‬       ‫الطبقة الوسطي المتوسطة‬
   ‫وعر ًضا أو وز ًنا‪ ،‬فلأنها‬                                    ‫بتعاطيه الحشيش‪ ،‬فهو‬
‫إنسانية فهي غير محددة»‪،‬‬           ‫والدنيا لهم خصوصية‬          ‫يسير في الشوارع محد ًثا‬
    ‫إذن فنحن نقيس كلام‬            ‫شديدة‪ ،‬إذ يسيطر على‬        ‫نفسه حديثًا عاق ًل منطقيًّا‬
                               ‫معظمهم قيم الريف‪ ،‬وهو‬          ‫وإن كان له لون الهذيان‪،‬‬
                                                             ‫فينتقد بشدة أعمال الحفر‬

                                                                ‫المتكررة التي تقوم بها‬
                                                                  ‫الحكومة في الشوارع‬
                                                             ‫والتي تخلف مئات الحفر‪:‬‬
                                                            ‫«مرة يحفروا للكهربا ومرة‬
                                                                ‫للمية ومرة للتليفونات‪،‬‬
                                                                 ‫ما يحفروا مرة واحدة‬

                                                                           ‫ويخلصوا»‪.‬‬
                                                                 ‫أنيس الذي يبدو مها ًنا‬
                                                              ‫مه َّم ًشا من قبل الحكومة‬
   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144