Page 143 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 143

‫الملف الثقـافي ‪1 4 1‬‬

       ‫بعنف تجاه واقعهم‬           ‫الغاشم من الانتصار‪،‬‬          ‫بيد أن فترة التسعينيات‬
                 ‫وحياتهم‪.‬‬       ‫إنها أفلام بها مزيج من‬        ‫كانت امتدا ًدا معق ًدا لفترة‬

‫يري ألفريد آدلر أن مشكلة‬          ‫السياسة والميلودراما‬           ‫الثمانينيات للأوضاع‬
      ‫الإنسان أنه لا يعتبر‬           ‫وميثولوجيا البطل‬           ‫السياسية والاقتصادية‬
                                                            ‫والاجتماعية‪ ،‬لترتفع نسبة‬
    ‫أن لحياته معني‪ ،‬إلا إذا‬   ‫الشعبي والكوميديا وفيلم‬       ‫الفقر وتزداد الدولة رخاوة‬
‫اعترف الآخرون حوله أنها‬          ‫الحركة‪ ،‬ولكنها بالرغم‬         ‫ويزداد تهميش البسطاء‬

  ‫لها معني‪ ،‬ولكن ماذا عن‬      ‫من انتصارها للمهمشمين‬                 ‫سياسيًّا واجتماعيًّا‬
  ‫هؤلاء الضعفاء المنسيين‬         ‫والضعفاء‪ ،‬والذي يثلج‬       ‫واقتصاد ًّيا‪ ،‬ولكن زاد عليه‬
                                  ‫صدر المتفرجين الذين‬
     ‫الذين ينزفون حياتهم‬              ‫يعانون من الدولة‬         ‫أمران غاية في الخطورة‪،‬‬
     ‫في الظل ويأتون للدنيا‬     ‫المتصدعة ومراكز القوي‬           ‫الخوف والعنف‪ ،‬ليتجلى‬
   ‫ويمضون منها دون أن‬
‫يشعر بهم أحد؟ هل يمكننا‬       ‫الجديدة الساحقة‪ ،‬إلا أنها‬             ‫مبدأ البقاء للأقوى‬
   ‫أن نعتبر الألم والضعف‬     ‫دون أن ندري أسست لمبدأ‬         ‫والأصلح‪ ،‬وهو الذي يفسر‬
  ‫جز ًءا من مكاسب الحياة‬
    ‫التي ربما لا يعيها هم؟‬       ‫الخلاص الفردي وأخذ‬              ‫نظرية التطور نفسها‪،‬‬
    ‫هل هي موهبة القسوة‬       ‫الحق بالحرفة لا بالقانون‪،‬‬        ‫فيتهلل الجمهور في أفلام‬
 ‫التي عرفها الأديب العظيم‬    ‫متماشية مع مظاهر العنف‬         ‫كالإرهاب والكباب والمنسي‬
  ‫دستوفيسكي الذي عذب‬          ‫التي تبدت في هذه الفترة‪،‬‬       ‫واللعب مع الكبار‪ ،‬وطيور‬
                                                            ‫الظلام‪ ،‬وفيلم رأفت الميهي‬
      ‫نفسه وأبطاله ليصل‬          ‫إذ إن نموذج بطل فيلم‬       ‫الأشهر الأفوكاتو‪ ،‬وشمس‬
   ‫للمعرفة؟ بيد أن جمهور‬        ‫الحريف المسالم الغريب‬         ‫الزناتي والمشبوه لسمير‬
                             ‫اختفي‪ ،‬وحل محله نموذج‬           ‫سيف وغيرهم‪ ،‬وجميعهم‬
       ‫السينما يختلف عن‬         ‫آخر من المهمشين قابل‬
  ‫جمهور الأدب‪ ،‬فهو قاس‬        ‫للانفجار في أي لحظة‪ ،‬بل‬           ‫بطلهم عادل إمام الذي‬
  ‫ومتعجل‪ ،‬ولا يصبر على‬        ‫وحمل السلاح إذا اقتضي‬          ‫قدم نموذ ًجا مختل ًفا للبطل‬
 ‫الضعفاء‪ ،‬ولا يتقبل البطل‬      ‫الأمر‪ ،‬إنه أمر يقترب من‬       ‫الشعبي المهمش والبسيط‪،‬‬
 ‫الذي يفتقر إلى كل إمكانية‬    ‫فكرة جوته التي تقول إن‬        ‫والذي تمكنه الحيلة وفهمه‬
                             ‫الحقد ليس دو ًما أم ًرا سيئًا‬
    ‫لتحقيق هدفه ورغباته‪،‬‬     ‫وإنما يمكنه أن يحملنا على‬             ‫الفطري لمنطق القوة‬
    ‫عظمت أم صغرت‪ ،‬على‬        ‫التغيير‪ ،‬بيد أنه تغيير يأخذ‬
‫البطل إذن أن يتابع رغبته‪،‬‬    ‫شك ًل من أشكال الاحتجاج‬
  ‫وسيقدر الجمهور حدود‬        ‫العنيف والتمرد الخطر على‬
     ‫تجربته الإنسانية من‬        ‫الحياة وسلامتها‪ ،‬لأنهم‬
‫العمق والاتساع إلى الضيق‬        ‫يتبنون منه ًجا برجماتيًّا‬
‫والمحدودية‪ ،‬طالما أن البطل‬      ‫لخلق فرص للتعايش في‬
‫يحاول‪ ،‬إنه يحاول بالنيابة‬       ‫الحياة دون أن يسهموا‬
‫عنه في الحكاية ويحثه على‬      ‫في تغييرها‪ ،‬إنهم يتغيرون‬
   ‫المحاولة‪ ،‬إنها كما يقول‬      ‫وف ًقا لمنهج جوتة‪ ،‬لكنهم‬
  ‫ليسنج قبضة العدمية في‬        ‫لا يغيرون واقعهم لأنهم‬
                             ‫يعانون مشاعر ملتبسة من‬
            ‫مواجهة الحياة‬    ‫الحب والكراهية المختلطين‬
   138   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148