Page 18 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 18

‫العـدد ‪23‬‬    ‫‪16‬‬

                                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬

                            ‫وعلاقتنا بهذا العالم‪.‬‬       ‫حقوق الإنسان وحرياته‪ ،‬كما لا ُتتاح له الفرص‬
   ‫يجسد السرد طموحات الإنسان ونجاحاته‪ ،‬كما‬                 ‫الحقيقية لتنمية قدراته واستغلالها على النحو‬
   ‫يشير إلى نقاط ضعفه وإخفاقاته‪ ،‬يجسد علاقته‬
 ‫بالمجتمع المباشر الصغير من حوله‪ ،‬كما يرتفع به؛‬       ‫الأمثل‪ ،‬لذلك نرى الكثيرين يتطلعون ‪-‬في كثير من‬
  ‫ليدمجه بنسيج المجتمع الكبير‪ ،‬الذي ترمي ظلال‬         ‫البلدان العربية‪ ،‬التي تعاني من النزاعات والحروب‬
   ‫الأحداث والوقائع فيه‪ ،‬وعلاقات القوى المختلفة‬
                                                          ‫أو الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية‪-‬‬
     ‫أي ًضا على حياة الفرد البسيط في أي طبقة من‬          ‫لأية فرصة للهروب من أوطانهم‪ ،‬حتى لو ألقوا‬
                ‫طبقاته‪ ،‬أو دولة من دول المنطقة‪.‬‬       ‫بأنفسهم في البحر يأ ًسا‪ ،‬أو للوحوش في الصحراء‬
                                                         ‫والجبال‪ ،‬في نوع من المقامرة بالحياة‪ ،‬بعي ًدا عن‬
 ‫يضع السر ُد الفر َد المتلقي ضمن شخصيات النص‬          ‫أوطان ُيعد فيها طقس إراقة الدماء والقهر‪ ،‬وشتَّى‬
‫بالإيهام‪ ،‬فيقع بعد اختيار تل ُّبسه أو تعاطفه مع أحد‬   ‫أفنيوا ِظع ِّلالتفلاكشايلاأوتضشايئعًاالعداودلًّيايةوالممتحكتر ِق ًرناة‪ ،.‬والتي تصب‬
                                                         ‫تشكلاتها‪ ،‬وجحيم حروبها‪ ،‬ومستويات عيشها‬
  ‫شخوص العمل‪ ،‬تحت دائرة التحليل والاستبطان‬
  ‫والبوح‪ ،‬فنعرف ذواتنا‪ ،‬ونعي ما نواجهه بالحياة‬              ‫المتردية في منطقتنا‪ .‬في دول الشرق الأوسط‬
                                                           ‫يتساءل البعض‪ :‬هل للفنون دور أو أهمية في‬
    ‫عند وعينا بالمشت َرك الإنساني‪ ،‬قد نستطيع من‬            ‫حياة الإنسان المعاصر؟ وفي منطقتنا تلك‪ ،‬هل‬
   ‫خلال الفن والسرد أن نم ِّرر أيامنا بهذا الوجود‪،‬‬      ‫يسهم السرد في إبراز وصقل إنسانية البشر؟ في‬
‫فكما يقول “تولوستوي” كاتب “الحرب والسلام”‬             ‫جعلهم أكثر إنسانية؟ هل ير ِّسب في ذات من يتلقاه‬
    ‫عن الوجود الإنساني‪“ :‬إن و ْضعنا مر ِّوع‪ ..‬لقد‬        ‫الطمأنينة‪ ،‬رغم كل تلك الضغوطات التي يعيش‬
  ‫أدرك الإنسان بوضوح كبير أن الأمور كلها رياء‬
                                                                                 ‫تحت و ْقعها وآثارها؟‬
                                                     ‫كيف يمكن للروائي أن يعبِّر ويجسد هذه الأوضا َع‬
                                                      ‫شديدة التعقيد والتداخل‪ ،‬وبأية بنية وتقنيات؟ هل‬

                                                        ‫يستطيع ال ُكتَّاب مواكبة هذه التحولات‪ ،‬وتأ ُّملها‪،‬‬
                                                       ‫وتجسيدها بعد تكوين رؤى حولها في نصوصهم‬

                                                           ‫السردية‪ ،‬أم أنهم غارقون فيما تحت أقدامهم‬
                                                        ‫مباشرة‪ ،‬في واقعهم المكدس بالمشكلات من أنواع‬
                                                        ‫مختلفة‪ ،‬يومية وحياتيه تمس وجودهم المباشر؟‬
                                                     ‫ولماذا نو ِجد رب ًطا‪ُ ،‬نلِح فيه‪ ،‬ونؤكد على أهمية الفنون‬

                                                         ‫والأعمال السردية؛ مصد ًرا أساسيًّا في التكوين‬
                                                         ‫العقلي والوجداني لكل طبقات المجتمع وأفراده؟‬
                                                          ‫لتلك القضية أبعاد عميقة ومتشعبة‪ ،‬ففي الفن‬
                                                       ‫‪-‬والسرد في قلبه‪ -‬تتمثل قيم الإنسان‪ ،‬ومشاعره‬
                                                        ‫وأفكاره‪ ،‬ب ُط ُرق تعبير ومناظير متعددة‪ ،‬نستبين‬
                                                       ‫من خلاله حقيقتنا الإنسانية‪ ،‬التي تضعنا الفنون‬
                                                     ‫أمامها بشكل كثيف‪ ،‬علاقة تتميز بالمواجهة العميقة‬
                                                          ‫والبلورية في سياق جمالي غير وعظي‪ ،‬ببنيات‬
                                                     ‫تشكيلية ولغوية متجددة على الدوام؛ فنعرف ونعي‬
                                                     ‫عن أنفسنا ما قد نستشعره‪ ،‬لكن لا نستطيع التعبير‬
                                                     ‫عنه بهذا الوضوح أو التجسيد‪ ،‬أو بالرمز الشفيف‪،‬‬
                                                       ‫الذي تقدمه الأعمال السردية‪ ،‬التي تحكي وجودنا‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23