Page 22 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 22

‫العـدد ‪23‬‬    ‫‪20‬‬

                                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬

     ‫م ًعا‪ .‬فهل هي رواية تاريخية تتخذ من السرد‬               ‫فالرواية تستوقف الناقد منذ البداية حول‬
    ‫أدا ًة لها‪ ،‬على غرار ما يفعله اليوم عدد كبير من‬     ‫تجنيسها‪ ،‬وفيما إذا كانت رواية بالمفهوم السائد‬
    ‫الروائيين العرب الذين يحاولون تقديم تصور‬            ‫أجناسيًّا‪ ،‬أم أنها تكشف عن جنس روائي جديد‬
‫سردي جديد للتاريخ‪ ،‬أم هي محاولة كتابة «تاريخ‬
                                                          ‫أو ضرب روائي فرعي‪ .‬فهي في الظاهر رواية‬
                ‫بديل» بعي ًدا عن التاريخ الرسمي‪.‬‬       ‫تاريخية‪ ،‬تحاول قراءة سيرة الفيلسوف أبي علي‬
    ‫الرواية‪ ،‬ويجب أن نقر بذلك جزئيًّا‪ ،‬تتوافر على‬     ‫الحسين بن عبد الله بن سينا‪ .‬إ ْذ نجد محاولة من‬
     ‫الكثير من هذه الشروط الخاصة بهذا الضرب‬
    ‫الروائي الذي يفيد من المبنى الميتاسردي‪ ،‬ومن‬          ‫الروائي يوسف زيدان لإعادة كتابة سيرة ابن‬
   ‫الوثيقة التاريخية في صياغة مثل هذه الروايات‪،‬‬      ‫سينا التاريخية‪ ،‬من خلال السرد‪ ،‬ربما بالانسجام‬
 ‫والتي تزاوج‪ ،‬عاد ًة‪ ،‬بين ما هو تخييلي وافتراضي‬       ‫مع مقولة الناقد الأمريكي هايدن وايت التي ينظر‬
 ‫وسردي من جهة‪ ،‬وبين ما هو تاريخي وتسجيلي‬
  ‫ووقائعي من جهة أخرى‪ .‬لكن عنصر المغايرة في‬                            ‫فيها إلى التاريخ بوصفه سر ًدا‪.‬‬
 ‫هذه الرواية‪ ،‬والذي يمكن أن يستدرجنا إلى قضية‬        ‫وخلال تجوالي هذا‪ ،‬وجدت نفسي قريبًا من رواية‬
 ‫تتمثل في التزام الروائي بالكتابة عن اسم معروف‬
 ‫هو ابن سينا‪ ،‬وتحول الرواية إلى شكل من أشكال‬              ‫فرنسية عن ابن سينا كتبها الروائي الفرنسي‬
  ‫السيرة (البيوغرافية)‪ ،‬وهي محاولة كتابة سيرة‬        ‫«جيلبرت سينويه» بالفرنسية عام ‪ ،١٩٨٧‬وترجمت‬
   ‫شخصية تاريخية معينة من قبل كاتب سيرة أو‬           ‫إلى العربية لاح ًقا‪ ،‬كما لا يمكن لي أن أتجاهل رواية‬
   ‫مؤرخ أو روائي‪ ،‬وهي في هذا تختلف عن رواية‬
     ‫السيرة الذاتية (الاوتوبيوغرافية) التي يكتبها‬        ‫كتبها الروائي المصري محمد العدوي‪ ،‬عن ابن‬
‫شخص ما عن سيرته وتجربته الحياتية ومنجزاته‪،‬‬             ‫سينا أي ًضا بعنوان «الرئيس» صدرت في القاهرة‬
‫وقد يكتبها‪ ،‬افتراضيًا وتخييليًّا كاتب آخر‪ .‬والمكتبة‬
                                                                                         ‫عام ‪.٢٠١٢‬‬
       ‫النقدية غنية بالمؤلفات عن خصوصية هذين‬              ‫وبما أن الروائي قد توقف عند قصة «حي بن‬
     ‫اللونين من السرد السيري‪ ،‬والسيري الذاتي‪.‬‬        ‫يقظان»‪ ،‬وهي أليغوريا) ‪ Allegory‬مرموزة فلسفية‬
‫لكننا نلاحظ أن أغلب الروايات‪ ،‬التي توظف السرد‬           ‫وأخلاقية‪ ،‬للتعبير عن موقف ابن سينا الفلسفي‬
    ‫لكتابة التاريخ أو سيرة شخصية محددة تعمد‬           ‫تجاه العلاقة بين الجسد والنفس الإنسانية‪ .‬ولأن‬
                                                       ‫الروائي يوسف زيدان‪ ،‬باحث ومحقق‪ ،‬فقد سبق‬
                                                         ‫له وأن كتب عن قصة ابن سينا هذه وأصولها‪،‬‬

                                                           ‫في كتابه «حي بن يقظان‪ :‬النصوص الأربعة‬
                                                         ‫ومبدعوها»‪ ،‬والذي يكاد أن يكون إعادة منقحة‬
                                                       ‫ومزيدة لكتاب المرحوم أحمد أمين المبكر المطبوع‬

                                                                                     ‫عام ‪« ١٩٥٢‬حي‬
                                                                                      ‫بن يقظان لابن‬
                                                                                     ‫سينا وابن طفيل‬
                                                                                     ‫والسهروردي»‪،‬‬

                                                                                         ‫فقد كان عليَّ‬
                                                                                       ‫العودة إلى هذا‬

                                                                                        ‫السفر القيّم‪.‬‬
                                                                                  ‫لكن أكثر ما شغلني‬
                                                                                   ‫في هذه الرواية هي‬

                                                                                    ‫الأنساق السردية‬
                                                                                        ‫التي اعتمدها‬

                                                                                      ‫الروائي في بناء‬
                                                                                      ‫روايته ورؤيته‬
   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27