Page 24 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 24
العـدد 23 22
نوفمبر ٢٠٢٠
جريئة في نقل الكثير من قصص الحب والجنس محمد العدوي هايدن وايت
التي عاشها ابن سينا مع حبيباته ومعشوقاته،
وبشكل خاص عشيقاته الثلاث الأخيرات منهن. ما دامت الرواية تع ّد بنية تخيلية افتراضية تعيد
ويبدو لي أن ابن سينا كان يدرك جي ًدا أن صورته تقديم التاريخ عن طريق «سردنته» بوصفه بنية
في التاريخ لن تكون واحدة ،بل ستكون له أكثر
من صورة ،وربما ثلاث صور .إ ْذ كتب في إحدى سردية ،لكن الأمر يتعلق بمنطقية هذا التشكل
رسائله« :ينبغي على من يتحدث عن نفسه أن وحيويته وشرعيته وقدرته على إقناع المتلقي.
يتحدث عن ثلاثة أشخاص ،لا عن شخص واحد، ابن سينا في رواية «الرئيس» لمحمد العدوي،
فيتحدث عن نفسه كما يراها ،وكما يراها الناس، الصادرة عام ٢٠١٢يختلف اختلا ًفا جذر ًّيا عن
وكما يجب أن تكون»( .رواية «الرئيس» ص)٣٣٢ صورته في الروايتين الأخريين ،فهو يبدو ،زاه ًدا،
لكن يحق لنا أن نتساءل عن الاستراتيجية السردية متعب ًدا ،ور ًعا يقيم شعائر الدين وفروعه ،والمرأة
التي يعتمدها الروائيون الثلاثة في التعامل مع بالنسبة له ،إما كائن بشري متجرد ،أو مخلوق
الشخصية التاريخية ،ومع الإطار التاريخي العام فكري مجرد ،إ ْذ ليس للجسد أو الجنس مكان في
الذي يؤطرها ،بما فيه من مدونات رسمية أو هذه الرواية ،بينما نجد ابن سينا عند (سينويه)
أقرب ما يكون إلى العلمانية .فهو محب للحياة
مرويات شفاهية ،وما هي الكيفية التي يحقق والجنس والخمر ،ورافض للتعصبُ ،ي ْؤ ِمن بجميع
فيها روائي ما هذا التعالق الخفي بين السردي الأديان .وتجد الرواية مطرزة بآيات من القران
الكريم تؤكد على الاعتراف بالديانات السماوية
والتاريخي. المسيحية واليهودية ،ويكاد أن يكون ابن سينا
من المعروف أن النزعة الميتاسردية ،قد فتحت عند الكاتب الفرنسي (سينويه) كوسموبوليتيًّا.
الطريق أمام الإفادة من المخطوطة التاريخية ويقترب ابن سينا في رواية يوسف زيدان إلى
أو المدونات المكتوبة والمرويات الشفاهية ،عبر حد كبير من رواية سينويه ،لكنه هنا يقف موق ًفا
مداخل ومقتربات مختلفة .فالبعض يضع مسافة وس ًطا ،حاول فيه الروائي أن يمسك بعصا التاريخ
زمنية ونفسية بينه وبين النص الروائي من
خلال الزعم –مث ًل -أنه قد عثر على هذا النص في من منتصفها.
بريده الشخصي ،كما نجد ذلك في رواية فاضل فابن سينا هو مفكر منفتح ،وإلى ح ٍّد ما علماني،
العزاوي «الاسلاف» ،وقد يزعم الروائي أن النص وتلاحقه أحيا ًنا تهمة الكفر والإلحاد ،التي يرميه
الروائي هو نص مترجم تم العثور عليه في إحدى بها أعداؤه ،أما إقباله على الجنس والحياة والخمر
المكتبات أو المواقع الأثرية ،وأنه لا فضل له سوى فأمر لا يمكن إنكاره .وكانت رواية يوسف زيدان
نشر هذا النص النهائي ،كما نجد ذلك في رواية
«عزازيل» ليوسف زيدان أو «طفيليات العقل»
لكولن ولسن .ويزعم روائي آخر أنه قد تلقاه على
جهاز الحاسوب ،دون أن يعرف مصدره ،وأنه
اكتفى بتنقيحه ونشره ،كما نجد ذلك في رواية
«مخيم المواركة» للروائي جابر خليفة جابر ،أو
رواية «أوراق معبد الكتبا» للروائي الأردني هاشم
غرايبة .وكل هذه المداخل السابقة تدور ضمن زمن
الماضي ،حيث يظل الحاضر غائبًا ،أو نجد ظ ًّل
باهتًا له.
وهناك من يحاول أن يزاوج بين الواقعة التاريخية،
وبين واقعة معاصرة ،مثلما فعل الروائي المصري