Page 25 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 25

‫الرواية‪ ،‬ويجب أن نقر بذلك‬                              ‫الشاب أسامة السعيد في روايته‬

‫جزئ ًّيا‪ ،‬تتوافر على الكثير من‬                         ‫«رواق البغدادية»‪ ،‬أو الروائي واسيني‬
                                                        ‫الأعرج في «البيت الاندلسي»‪ .‬وهناك‬
‫هذه الشروط الخاصة بهذا‬
                                                       ‫من يحاول أن يجعل النص التاريخي‬

     ‫الضرب الروائي الذي يفيد‬                           ‫مواز ًيا للنص السردي المعاصر حتى‬
‫من المبنى الميتاسردي‪ ،‬ومن‬                              ‫ليبدو النص التاريخي حاك ًما ومؤث ًرا‬
                                                       ‫أحيا ًنا‪ ،‬كما نجد ذلك في رواية «أزمنة‬
                                                                ‫الدم» للروائي جهاد مجيد‪.‬‬
‫الوثيقة التاريخية في صياغة‬                              ‫وتتم أحيا ًنا عملية إسقاطات متبادلة‬
    ‫مثل هذه الروايات‪ ،‬والتي‬                            ‫بين الماضي والحاضر مثلما نجد ذلك‬

‫تزاوج‪ ،‬عاد ًة‪ ،‬بين ما هو تخييلي‬                        ‫في رواية «قواعد العشق الأربعون»‬
                                                         ‫للروائية التركية «أليف شافاق»‪.‬‬
‫وافتراضي وسردي من جهة‪،‬‬
                                                       ‫ولو فحصنا أولى الروايات الثلاث‬

‫وبين ما هو تاريخي وتسجيلي‬                                  ‫التي تناولت شخصية ابن سينا‪،‬‬
       ‫ووقائعي من جهة أخرى‬                             ‫وجعلت منه بط ًل روائيًّا‪ ،‬عبر وظائف‬

                                                         ‫سردية وسيميائية متعددة‪ ،‬وأعني‬

                                                       ‫بها رواية «الطريق إلى أصفهان»‬

                                                       ‫للفرنسي جيلبرت سينويه الصادرة‬

                                                       ‫في باريس عام ‪ ،١٩٨٧‬بوصفها أقدم‬

                                                       ‫الروايات الثلاث‪ ،‬لوجدنا أن المؤلف‬

 ‫ضيقة‪ .‬فابن سينا في منظور سينويه يساوي بين‬              ‫يزعم أنه مجرد مترجم للنص‪ ،‬حتى دون إشارة‬
 ‫جميع الأديان‪ ،‬الإسلام أو المسيحية أو اليهودية‪،‬‬         ‫إلى مصدر النص الأصلي ولغته ومؤلفه‪ .‬لكنه من‬
  ‫بل وحتى الديانات الوثنية مثل الزرادشتية‪ .‬لقد‬
 ‫سحب المؤلف بطله إلى موقعه فكان بط ًل عصر ًّيا‬            ‫جهة أخرى أناط مهمة السرد بالراوي المركزي‬
                                                           ‫(أبو عبيد الجوزجاني) تلميذ ابن سينا المقرب‬
          ‫منفت ًحا‪ ،‬وربما كوسموبوليتيًّا او عولميًّا‪.‬‬   ‫الذي تلقى منه‪ ،‬قبيل وفاته‪ ،‬آخر عشرين صفحة‬
‫أما رواية «الرئيس» للكاتب المصري محمد العدوي‬             ‫من سيرة حياته الذاتية‪ .‬وبذا يشير هذا الراوي‪،‬‬
                                                       ‫التاريخي‪ ،‬الوثوقي‪ ،‬إلى أنه يعتمد على وريقات ابن‬
   ‫الصادرة عام ‪ ٢٠١٢‬فقد حاول المؤلف فيها أن‬              ‫سينا العشرين‪ ،‬فض ًل عن صحبته اليومية التي‬
    ‫يزاوج بين مدونة المؤلف المولع بشخصية ابن‬             ‫دامت خمس ًة وعشرين عا ًما لأستاذه ابن سينا‪.‬‬
    ‫سينا‪ ،‬وهو يتهيأ للسفر إلى إيران‪ ،‬للتعرف إلى‬           ‫ولذا فهو أي ًضا سارد مشارك‪ ،‬فض ًل عن كونه‬
    ‫الأماكن التي عاش فيها ابن سينا‪ ،‬وبين سيرة‬             ‫سار ًدا موثو ًقا‪ ،‬أن نعد الراوي من الرواة الذين‬
  ‫حياة ابن سينا وفلسفته‪ ،‬وهو أسلوب سبق وأن‬                ‫يعتمد عليهم في سردهم‪Narrator Reliable .‬‬

‫اعتمدته الروائية التركية آليف شافاق في روايتها‬         ‫فابن سينا هنا‪ ،‬أكثر مي ًل للمحسوسات منه‬

‫«قواعد العشق الأربعون»‪ .‬لكن التشابه هنا شكلي‬           ‫للماهيات‪ .‬فهو عاشق أزلي للحياة‪ ،‬يحب النساء‬

‫تما ًما‪ .‬فرواية شافاق خلقت لو ًنا من التفاعل‬           ‫والخمر ويرفض التعصب والتطرف‪ ،‬ويميل إلى‬
‫الداخلي بين نصين‪ :‬النص التاريخي الذي يتحدث‬
                                                       ‫المساوة بين الأديان‪ .‬هذه صورة ابن سينا‪ ،‬كما‬
‫عن سيرة حياة الشاعر جلال الدين الرومي‬
                                                       ‫رآها سينويه‪ ،‬أو بشكل أدق‪ ،‬كما تمناها الروائي‪،‬‬

‫وعلاقته بشمس التبريزي‪ ،‬وبين الحياة الشخصية‬             ‫وهو مؤلف أوروبي‪ ،‬علماني‪ ،‬وعاشق للحياة‬

‫لساردة الرواية (إيلا) وعلاقتها بمؤلف النص‬              ‫والعدالة‪ ،‬بعي ًدا عن أي رؤية دينية أو لاهوتية‬
   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30