Page 20 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 20

‫العـدد ‪23‬‬    ‫‪18‬‬

                                                                               ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬

‫البشر‪ ،‬التي تبدد التفاتهم لما حول الأحداث‪.‬‬                                       ‫أو رغبات استعمارية‪ ،‬فيستشعر الفرد أنه يواجه‬
                                                                               ‫العد َم والفناء نتيجة لأطماع لا تخصه‪ ،‬قوى لا تراه‬
‫‪ -5‬في بعض السرديات‪ ،‬نلحظ التعامل مع الزمكان‬
‫بالمفهوم المطلق والعام‪ ،‬فهي رواية تن ُشد المُ ْط َلق؛‬                              ‫من الأساس‪ ،‬وغير ذات معنى حقيقي له‪ ،‬يقابله‬
                                                                                 ‫منفر ًدا بلا معت َقد أو قضية منطقية‪ ،‬ويتساوى في‬
‫لتبتعد عن تلاحق المتغير ذي الوتيرة شديدة‬                                       ‫هذا الحروب الأهلية أو الحروب ضد الأجنبي‪ ،‬الذي‬

                                  ‫السرعة‪.‬‬                                                             ‫قد يكون عربيًّا وإسلاميًّا‪.‬‬
                                                                                    ‫تتمثل الكتابة الروائية الحديثة حا َل من يواجه‬
‫‪ -6‬التشخيص الأسلوبي للغة؛ بدفع الحيوية‬
                                                                                          ‫الموت‪ ،‬أو العبث واللايقين من أي شيء‪،‬‬
‫واللهاث أحيا ًنا‪ ،‬وتقويض بناءات اللغة ذاتها؛‬                                       ‫وتستحضر كيف تكون مشاعره من ُيطلب منه‬

‫لتجسيد نكبات الأوطان‪ ،‬ور ْصد آثار الحروب‬                                              ‫الاختيار‪ ،‬ولا يعرف لماذا عليه الاختيار‪ ،‬وما‬
   ‫والنزاعات على الأفراد‪ ،‬وخ ْلق بيئة خاصة‬                                       ‫الجدوى‪ ،‬يبحث السرد حول هذا الجحيم؛ فيسمع‬

‫بالنصوص‪ ،‬وتوفير طقس فني مميز لكل َن ٍّص‬                                               ‫ال ُكتَّاب ممن خاضوا هذه الحروب‪ ،‬ويتتبعوا‬
‫يجعله ين ُشد كيانات قائمة‪ ،‬ليس على مستوى‬                                         ‫المعلومات‪ ،‬واللقطات المص َّورة‪ ،‬والأفلام الوثائقية‪،‬‬

‫المضمون‪ ،‬ق ْدر استناده على البنية ذاتها‪.‬‬                                            ‫والأحاديث والنقاشات‪ ،‬والحوار بين الفصائل‬
   ‫و ُيب ِرز رغبا ِتهم‬  ‫الأفراد‪،‬‬  ‫ال‪7‬مك‪-‬ب ُيوتط َةلِ‪،‬قفالومبدض ُعىلاصوراع َعي‬         ‫المتنازعة؛ ليبلوروا كيف تكون هذه اللحظا ُت‬
‫والغرائز والأطماع‪،‬‬      ‫الطبائع‬
                                                                                ‫مصيري ًة‪ ،‬وفاصلة في حياة الأفراد والشعوب‪ ،‬كما‬
‫حيث تقديم الحياة بو ْصفها أث ًرا غير مكتمل؛ فتسود‬                              ‫أنهم ينشغلون بالتجربة السردية وفنياتها وآلياتها؛‬
                        ‫سرديات التشظي والفوضى‪.‬‬
                                                                                     ‫لتصبح أكثر توت ًرا‪ ،‬وتعبِّر عن تلك الصراعات‬
‫‪ -8‬يق ِّدم بالسرديات الانتهاك للبشر‪ ،‬بوصفه نزي ًفا‬                                                                     ‫المع َّقدة‪.‬‬
‫دائم ومتج ِّد َد الأشكال‪ ،‬تمارسه السلطات السياسية‬
                                  ‫والدينية والاجتماعية‪.‬‬                             ‫ولقد لاحظ ُت توظيف بعض التقنيات والآليات‬
‫‪ -9‬تتش ّكل كثير من السرديات المتأخرة بالاستعانة‬                                     ‫الفنية‪ ،‬التي استخدمها بعض هؤلاء الروائيين؛‬
‫ب َع ْبر النوعية‪ ،‬حيث َت َتلا َقى الفنون جميعها في‬                             ‫لتجسيد معطيات الواقع المتشابكة الدموية من قبيل‪:‬‬
‫حالة تفا ُعل‪ ،‬وتوظيف للتقنيات الفنية في حالة من‬                                ‫‪ -1‬استمداد المرجعية الحكائية من الواقع أو ًل‪ ،‬حيث‬
‫التراسل بين تقنيات السرد الروائي والشعر‪ ،‬وفن‬
                                                                                          ‫أصبحت وقائعه أكثر غرابة من المتخيَّل‪.‬‬
‫السينما‪ ،‬والعمارة‪ ،‬والفنون التشكيلية‪ ،‬والموسيقا‪،‬‬                                ‫‪ -2‬تغييب هذا الواقع نسبيًّا؛ من أجل تشكيل بنية‬

                                  ‫وغيرها من فنون‪.‬‬                                   ‫غرائبية وعجائبية للحكاية؛ ليخلُ َق النَّ ُّص حالة‬
‫‪َ -10‬ش َم َل اتجاه التجريب ‪-‬الذي ُي َع ُّد هاج ًسا‬                                 ‫بينية بين الواقع والمتخيَّل الفنتازي أحيا ًنا‪ ،‬كما‬
   ‫متج ِّد ًدا لدى الروائيين المعاصرين‪ -‬التب ُّحر‬                               ‫يتم الاستعانة في البنية السردية لبعض النصوص‬
 ‫في الروايات المعلوماتية‪ ،‬التي تتنا َول تفاصي َل‬
‫ومعطيا ِت فتر ٍة تاريخية قد تكون هي المتض ِّمنة‬                                                     ‫بالواقع الممزوج بالأسطورة‪.‬‬
‫لأول النزاعات‪ ،‬أو ِعلم من العلوم‪ ،‬أو تقديم أي‬                                   ‫‪ -3‬في السرديات الجديدة‪ ،‬يتم ف ْتح ال َق ِّص الواقعي‬

‫مجال آ َخر يتم الإحاطة به وكشف عوالمه‪.‬‬                                           ‫على ظلاله‪ ،‬وكأن هناك مستويين للحياة‪ ،‬أحدهما‬
                                                                                  ‫الظاهر الذي يخاطب الواقع‪ ،‬ويجسده‪ ،‬ويستبين‬
‫وأحسب أن موقف الروائيين من اضطراب المشهد‬                                          ‫للعين‪ ،‬الآ َخر‪ :‬كأنه المستوى الباطني‪ ،‬تأويل آ َخر‬
                                                                               ‫للواقع‪ ،‬وهو البعد العميق الذي يتسبب في استدعاء‬
‫العام يتمثل في مستويين‪ :‬فالواقع يقدم ذخيرة من‬                                      ‫محكيات من التاريخ‪ ،‬وجدلها مع الواقع بصور‬

‫الموضوعات الغنية والغريبة‪ ،‬التي يمكن أن ُيق ِّدم‬                                                                 ‫فنية محبوكة‪.‬‬
‫من خلالها الكاتب كتابة فنية مميَّزة‪ ،‬على المستوى‬                                    ‫‪ -4‬التخ ِّل عن النَّ َفس الوصفي الممتد‪ ،‬وإسقاط‬
‫الآ َخر‪ :‬هناك اضطراب تلاحق الأحداث وتع ُّقدها‬                                    ‫التفاصيل‪ ،‬حيث ضخامة الأحداث وتأثيراتها على‬

‫وتواليها‪ ،‬الذي لا يجعل الروائي ُيك ِّون رؤية‬
‫استشرافية إلا نادرًا لهذا الواقع المع َّقد‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25