Page 26 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 26

‫العـدد ‪23‬‬    ‫‪24‬‬

                                                      ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬

 ‫لإقناع القارئ بأن المؤلف الفرنسي ليس أكثر من‬              ‫التاريخي (عزيز زاهار)‪ .‬أما رواية «الرئيس»‬
                ‫مترجم لسيرة ابن سينا‪( .‬ص ‪)٥‬‬              ‫فقد ظل النص التاريخي فيها معزو ًل عن النص‬
                                                          ‫المعاصر‪ ،‬الذي كتبه الروائي والذي يصف فيه‬
‫ولكن هل بقي الروائي محمد العدوي‪ ،‬مؤلف رواية‬            ‫رحلته إلى إيران لتقصي أخبار ابن سينا والأماكن‬
   ‫«الرئيس»‪ ،‬مث ًل خارج سياق اللعبة السردية؟ لا‬        ‫التي عاش فيها‪ .‬لكننا افتقدنا إلى الجدل الحي بين‬
   ‫أعتقد‪ ،‬إ ْذ ترك المؤلف بصمته ومنظوره وبشكل‬            ‫ما هو تاريخي وما هو سردي‪ ،‬وشعرنا بوجود‬
   ‫خاص في الحوارات التي تركز على جانب واحد‬               ‫نصين مستقلين ومنفصلين‪ .‬كما أن الروائي لم‬
       ‫فقط من فلسفة ابن سينا‪ ،‬وأعني به الجانب‬          ‫يفعل شيئًا سوى تقديم بعض المناظرات الفلسفية‬
 ‫اللاهوتي والصوفي والذي يعتمد على تقديم النقل‬              ‫المستقاة من بعض كتابات ابن سينا الفلسفية‪.‬‬
   ‫على العقل‪ ،‬وأهمل أية إشارة إلى نزعة ابن سينا‬           ‫ويخيل لي أن الروائي قد نجح في كتابة واحدة‬
     ‫العقلية والحسية التي قدمت المحسوسات على‬           ‫من نصوص أدب الرحلات الشائقة‪ ،‬لكنه فشل في‬
     ‫الماهيات‪ ،‬ورفضت الامتثال للكثير من المفاهيم‬
     ‫الفقهية التقليدية الضيقة‪ ،‬ودعت إلى التسامح‬              ‫محاولة كتابة سيرة حياة ابن سينا سرد ًّيا‪.‬‬
    ‫الديني ونبذ التعصب والإقصاء‪ .‬ويمكن القول‬               ‫أما من الناحية الفنية فقد وجدنا أن السرد في‬
  ‫إن الروائي محمد العدوي‪ ،‬قد ح َّول ابن سينا إلى‬      ‫رواية سينيويه يتميز بأنه مبأر‪ ،‬لأنه يتم من خلال‬
   ‫ناطق رسمي يعبر عن منظوره الديني والفقهي‪،‬‬               ‫سارد مركزي هو (أبو عبيد الجوزجاني) الذي‬
   ‫والذي نكتشف بعض أصوله ومنابعه في شعور‬                ‫يعلن منذ البداية عن قيامه بسرد النص الروائي‪،‬‬
                                                         ‫اعتما ًدا على الأوراق العشرين التي تركها له ابن‬
‫الراوي الذي زار إحدى المكتبات في إيران واكتشف‬          ‫سينا عن سيرته الذاتية الأتوبيوغرافية‪ .‬إ ْذ يستهل‬
 ‫بفرح غامر وجود مؤلفات مفكر الإخوان المسلمين‬              ‫المؤلف الرواية بعد البسملة‪ « :‬أما بعد‪ ،‬فهذا أنا‬
                                                         ‫العبد الفقير إلى ربه تعالى‪ ،‬أبو عبيد الجوزجاني‬
   ‫حسن البنا‪ .‬كما أهمل مؤلف «الرئيس» الجوانب‬          ‫أضع بين يديك هذه الكلمات التي عهد بها ال َّي‪ ،‬ذلك‬
  ‫الدنيوية في شخصية ابن سينا‪ ،‬وتعاطيه للخمر‪،‬‬            ‫الذي ما انف ّك معلمي‪ ،‬صاحبي‪ ،‬وقرة عيني‪ ،‬طيلة‬
                                                      ‫خمسة وعشرين عا ًما‪ ،‬أبو علي ابن سينا»‪( .‬ص‪)١١‬‬
       ‫بل وشرعنته لها‪ ،‬فض ًل عن عشقه للنساء‪،‬‬            ‫كما تختتم الرواية بتأكيد الدور المركزي للسارد‬
      ‫وممارسة مختلف أشكال الجنس الحلال فيه‬               ‫أبو عبيد الجوزجاني عند تلقي الكلمات الأخيرة‬
  ‫والحرام على حد سواء‪ .‬ولكي لا يجعل ابن سينا‬          ‫لابن سينا قبيل وفاته‪« :‬حاول أن تجمع تصانيفي‪،‬‬
 ‫يقيم علاقات عاطفية غير شرعية مع آخر حبيباته‬             ‫أنا أعهد بها إليك‪ ،‬يا أبا عبيد‪ ،‬عسى الله أن يقدر‬
‫الافتراضيات (وردة) نرى المؤلف وقد شرعن هذه‬                 ‫لها المصير الذي تستحق»‪( .‬ص ‪ )٤٨٧‬ويقوم‬
   ‫العلاقة‪ ،‬فعقد له قرا ًنا شرعيًّا معها‪ ،‬قبيل موته‪،‬‬     ‫الجوزجاني نفسه بإيراد تاريخ وفاة ابن سينا‪:‬‬
  ‫وهو ما لم نجد له أي سند تاريخي في سيرة ابن‬             ‫«ثم انتقل إلى جوار ربه ورحمته‪ ،‬ودفن بهمدان‬
                                                           ‫في سنه ‪ ٤٢٨‬هجرية‪ ،‬الموافق ‪ ١٠٣٧‬في تقويم‬
                                 ‫سينا الحقيقية‪.‬‬             ‫النصارى»‪( .‬ص ‪ )٤٨٧‬ولتوكيد فنية السرد‬
     ‫وبذا فشخصية ابن سينا في رواية «الرئيس»‬                ‫وتبئيره‪ ،‬فض ًل عن دور السارد الجوزجاني‪،‬‬
 ‫شخصية «إشارية» بتقسيم الناقد الفرنسي فيليب‬                ‫زعم المؤلف أنه مجرد مترجم للنص الروائي‪،‬‬
     ‫هامون‪ ،‬والتي تتحول إلى ناطق رسمي باسم‬             ‫وهو ما أدركه مترجم الرواية التونسي فتحي آدم‬
  ‫المؤلف من خلال «وجود ذات مسربة» إلى النص‬             ‫الذي منح نفسه صفة «المع ِّرب» وليس المترجم في‬
     ‫في غفلة من التجلي المباشر للملفوظ الروائي»‪.‬‬      ‫الهوامش‪ ،‬للتمييز عن هوامش المترجم الافتراضي‪.‬‬
                                                           ‫وقد كان فتحي آدم موف ًقا في اكتشاف جوهر‬
       ‫(سيميولوجية الشخصيات الروائية‪ ،‬فيليب‬           ‫اللعبة السردية للمؤلف سينيويه لخلق حالة الإيهام‬
  ‫هامون‪ ،‬ترجمة سعيد بنكراد‪ ،‬دار الحوار دمشق‬

    ‫‪ ،٢٠١٣‬ص‪ ،)١٥‬بينما تمثل شخصية ابن سينا‬
     ‫في رواية سينويه طراز «الشخصية المرجعية»‬
 ‫التي تمد جذورها في التاريخ والأساطير والوقائع‬

           ‫الاجتماعية‪ ،‬كما سنشير إلى ذلك لاح ًقا‪.‬‬
   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31