Page 29 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 29
27 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
في النص»( .سيميولوجية الشخصيات الروائية والشخصية هو المحرك الأساسي»( .أثر الشخصية
ص)١٤ في الرواية ،ص)٩
ومن الغريب أن يرتكب الروائي يوسف زيدان في ويستشهد فيليب هامون برأي الناقد الفرنسي
روايته «فردقان :اعتقال الشيخ الرئيس» ،بعض رولان بارت الذي يرى أن المعنى ليس مع ًطى في
بداية النص ،ولا في نهايته ،وإنما يتم الإمساك به
الهفوات التي يمكن تجاوزها ،منها توظيف السرد من خلال النص كله ،حيث يرى «فيليب هامون»
كلي العلم في مستهل الرواية ،وهو سرد غير مبأر،
جر ًيا على ذلك أن ملامح الشخصية لا تكتمل
مع أن الروائي يمتلك الخبرة الكافية بشروط ولا تمتلئ دلالتها النهائية إلا مع عمليات التلقي.
السرد الروائي الحداثي .إذ يستهل الروائي روايته
بهذا السرد التقريري الخارجي « :يقف على جانبي (سيميولوجيا الشخصيات الروائية ص )٨٨
البوابة الأمامية ،مستحيلة الفتح ،برجان عاليان من ولو عدنا ثاني ًة الى تقسيم (فيليب هامون) الثلاثي
الأبراج الأربعة للقلعة»( .ص)٥ للشخصيات ،لرأينا أن شخصية ابن سينا في
وكان بالإمكان إدراج هذا الوصف ضمن مونولوج هذه الروايات هي من طراز الشخصيات المرجعية
«المزدوج» مسؤول القلعة ،أو من خلال حوار بين
التي نجدها ممثلة بالشخصيات التاريخية أو
المزدوج والزعاق .كما أن الرواية تختتم بتقرير الأسطورية ،أو تلك المرتبطة بالوقائع الاجتماعية.
رسمي بارد من وجهة نظر السارد العليم غير (سيميولوجية الشخصيات الروائية ،ص )١٤وهذا
المبأر حول وفاة ابن سينا« :ومات ابن سينا التوصيف ينطبق أسا ًسا على روايتي جيلبرت
وحي ًدا ،وخلد للأبد ،وخسر في سبيل الخلود أعز سينويه «الطريق الى أصفهان» و»فردقان :اعتقال
أمانيه»( .ص)١٥٠ الشيخ الرئيس» ليوسف زيدان بشكل أساسي،
إذ نرى هنا أن الوصف خارجي ،غير مبأر ،ودونما بينما نجد أن رواية «الرئيس» للروائي أحمد
وجود سارد أو رائي ،مع أن أبو عبيد الجوزجاني
العدوي ،تميل فض ًل عن ذلك نحو النمط الثاني من
يظل هو المرجع الأساس في بناء شخصية ابن تقسيم فيليب هامون والذي أسماه «بالشخصية
سينا. الإشارية» (بترجمة سعيد بنكراد ،أو الواصلة
تكاد رواية يوسف زيدان تختلف عن الروايتين بترجمة لحسن احمامة) ،والتي تشير إلى شخصية
الأخريين في كونها تنطلق من بؤرة مكانية واحدة المؤلف ،ومحاولته تحويل الشخصية إلى ناطقة
هي بنية قلعة فردقان ،التي ترد في العنوان باسمه وصوته ورؤيته ،مثلما حول محمد العدوي
بوصفه عتبة نصية مولدة ،لكنها تشع من خلال شخصية ابن سينا إلى «بوق» يعبر عن وجهات
نظره الفقهية واللاهوتية التقليدية الضيقة.
فعل الاستذكار إلى أماكن وأزمنة مختلفة ،كما وبالمناسبة ،وفي مقابل ذلك ،وما دمنا بصدد
أن نهايتها كانت تنبئ عن قرار برحيل ابن سينا الحديث عن هذا التقسيم الثلاثي للشخصية،
في اليوم التالي لوصول «تاج الملك» الذي يتقدم
بجيوش همذان صوب القلعة ،ورغبته في مقابلة يمكن أن نقول إن شخصية راوي السيرة المركزي
(أبو عبيد الجوزجاني) تنتمي إلى النمط الثالث
ابن سينا واصطحابه معه في رحلة تتجه نحو من التقسيم ،وأعني به الشخصية الاستذكارية
أصفهان(.ص)١٤٧ (بترجمة سعيد بنكراد ،أو التكرارية ،بترجمة
رواية يوسف زيدان «فردقان :اعتقال الشيخ لحسن احمامة) حيث «يكمن دور هذه الشخصية
الرئيس» تظل ،على الرغم من هذه الهفوات، بوصفه روا ًيا للسيرة ،في ربط أجزاء العمل
واتكائها الجزئي على رواية جيلبرت سينويه
السردي بعضها ببعض ،وذلك من خلال قيامها
«الطريق الى أصفهان» رواية متميزة وموفقة، بنسج شبكة من التداعيات والتذكير بأجزاء
نجحت في إعادة تشكيل شخصية ابن سينا سرد ًّيا
ملفوظيه متفاوتة لتحقيق وظيفة التنظيم والترابط
في تعالق تفاعلي بين ما هو تاريخي وما هو سردي