Page 28 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 28

‫لحسن الحمامة‪،٢٠١٨ ،‬‬                                        ‫نلاحظ أننا لا يمكن أن نع ّد‬
               ‫ص‪.)٧‬‬                                     ‫شخصية ابن سينا الروائية في‬

‫ولأن هذه الروايات الثلاث‬      ‫هذه الروايات الثلاث‪ ،‬كيا ًنا فار ًغا‬
  ‫تحاول أن تخلق سرد ًّيا‬       ‫أو بيا ًضا دلال ًّيا‪ ،‬ذلك أن تاريخية‬
 ‫وروائيًّا شخصية روائية‬
   ‫تخييليه‪ ،‬هي شخصية ابن‬
 ‫سينا‪ ،‬إلا أن هذه الشخصية‬     ‫الرواية وواقعيتها تجعلها تمتلك‬
‫تظل تمد جذورها المرجعية في‬    ‫مساحة تملأ جز ًءا من هذا «البياض‬

‫الواقع الاجتماعي والتاريخي‬    ‫الدلالي» وليس كله‪ ،‬لأن القارئ كما‬

   ‫والثقافي‪ ،‬بوصفها شخصية‬     ‫يؤكد ذلك فانسون جون يمتلك في‬
‫تاريخية حقيقية‪ ،‬وهو ما يجعل‬

‫رواية الشخصية تكتسب‬           ‫ذاكرته وفي موسوعته الكثير من‬

‫هنا‪ ،‬كما أشرنا‪ ،‬منذ البداية‬                             ‫البيانات والمعطيات القبلية عن‬
  ‫ملامح السيرة الممسرحة‬

   ‫‪Biography Dramatized‬‬                                 ‫الشخصية التاريخية استنا ًدا إلى‬
   ‫أو باعتماد المصطلح النقدي‬                                              ‫ذاكرته وثقافته‬
‫السينمائي ‪ pic Bio‬الذي يعني‬

‫السيرة السينمائية‪.‬‬

‫فمن المعروف في الدراسات‬

     ‫السيميائية أن الشخصية‬                                     ‫ويمكن القول إن الروايات الثلاث تومئ إلى‬
          ‫علامة ‪Sign‬لسانية‬                                   ‫أن حياة ابن سينا‪ ،‬بشكل عام كانت تفتقد إلى‬
                                                         ‫الاستقرار‪ ،‬بسبب الحروب والغزوات والصراعات‬
‫وسيميائية‪ ،‬وأن الشخصية‪ ،‬بوصفها علامة يصدق‬               ‫العسكرية في زمانه‪ ،‬وأن سنواته كانت تمثل هرو ًبا‬
 ‫عليها ما يصدق على كل العلامات‪ ،‬وبعبارة أخرى‬
   ‫أن وظيفتها خلافية «فهي كيان فارغ‪ ،‬أو بياض‬                                              ‫نحو المجهول‪.‬‬
     ‫دلالي لا قيمة له‪ ،‬إ َّل من خلال انتظامها داخل‬        ‫لكن أهم ميزة تجمع بين هذه الروايات تتمثل في‬
    ‫نسق هو مصدر الدلالات فيها»‪( .‬سيميولوجية‬               ‫كونها تنتمي إلى رواية الشخصية ‪Personality‬‬
‫الشخصيات الروائية‪ ،‬فيليب هامون‪ ،‬ترجمة سعيد‬
       ‫بنكراد‪ ،‬دار الحوار‪ ،‬دمشق‪ ،٢٠١٣ ،‬ص‪)١٥‬‬                       ‫‪ Novel‬حيث تهيمن الشخصية المركزية‬
‫لكننا يمكن ان نلاحظ أننا لا يمكن أن نع ّد شخصية‬         ‫‪ Protogonist‬أو ما تسمى أحيا ًنا بالبطل ‪ Hero‬أو‬
  ‫ابن سينا الروائية في هذه الروايات الثلاث‪ ،‬كيا ًنا‬
                                                          ‫الشخصية ‪ Character‬أو الفاعل ‪Actant‬بتعبير‬

   ‫فار ًغا او بيا ًضا دلاليًّا‪ ،‬ذلك أن تاريخية الرواية‬    ‫فلاديمير بروب‪ .‬وحيث تشغل شخصية البطل‬
‫وواقعيتها تجعلها تمتلك مساحة تملأ جز ًءا من هذا‬         ‫ابن سينا موق ًعا مركز ًّيا في الحدث الروائي‪ ،‬يؤكد‬
‫«البياض الدلالي» وليس كله‪ ،‬لأن القارئ كما يؤكد‬
                                                           ‫على مركزية الإنسان ودور هذه الشخصية في‬

‫الأحداث فاعلة ومنفعلة‪ ،‬بينما كان التصور النقدي ذلك فانسون جون يمتلك في ذاكرته وفي موسوعته‬
                                                        ‫السائد ساب ًقا يؤمن بأولوية الحدث ‪Action‬‬
‫الكثير من البيانات والمعطيات القبلية ‪ Prior‬عن‬
                                                        ‫على الشخصية‪ .‬فالحدث حسب المنظور السابق‬
‫الشخصية التاريخية استنا ًدا إلى ذاكرته وثقافته‪.‬‬
‫إ ْذ تركز رؤيا (فانسون جوف) على رصد تفاعل‬               ‫هو الذي يتحكم بسيرورة الشخصية وتشكلها‪،‬‬

‫القارئ مع الشخصية من خلال عملية التلقي‪،‬‬                 ‫وأن الشخصية هي «أحد مؤثثات الحدث»‪( .‬أثر‬

‫حيث ترى هذه الرؤيا أن «التفاعل بين القارئ‬               ‫الشخصية في الرواية‪ :‬فانسون جوف‪ ،‬ترجمة‬
   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33