Page 252 - Nn
P. 252

‫العـدد ‪35‬‬                           ‫‪250‬‬

                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

   ‫كنت قد انتهيت من كتابته قبل‬          ‫عليها كان همهم الأساسي هو‬            ‫وبيروقراطية وأمنية وإعلامية‪،‬‬
    ‫اندلاع ثورة يناير ونشر بعد‬        ‫استغلال المد الثوري في اقتناص‬           ‫كانت قادرة على الصد والرد‪،‬‬
  ‫عام من قيامها‪ .‬ففي هذا الكتاب‬                                             ‫فحولوا بهذا خسارتهم الفادحة‬
 ‫تتعدد أشكال المقاومة من المدنية‬          ‫المنافع الشخصية‪ ،‬وكان من‬        ‫فور سقوطهم عن الحكم إلى نجاح‬
  ‫إلى المقاومة بالحيلة أو الصمت‪،‬‬          ‫بينهم أناس على علاقة قوية‬         ‫متدرج‪ ،‬وتسللوا مرة أخرى إلى‬
 ‫وحين تمنع الأولى لأسباب عدة‪،‬‬         ‫بالنظام الذي قامت ضده الثورة‪،‬‬         ‫الواجهة‪ ،‬خاصة في ظل التشويه‬
‫لا يفقد الناس القدرة على التحايل‬       ‫بل إن بعضهم كان يقع في قلبه‪،‬‬         ‫المتعمدة للثورة‪ ،‬والذي شاركهم‬
   ‫والسكوت عن مناصرة الفساد‬             ‫لكنه قفز من السفينة في الوقت‬       ‫فيه المجلس العسكري‪ ،‬الذي كان‬
   ‫والاستبداد‪ ،‬إلى أن يتمكنوا من‬                                            ‫يقاوم التغيير الجذري‪ ،‬وجماعة‬
    ‫العودة إلى النضال المدني من‬                             ‫المناسب‪.‬‬           ‫الإخوان وحلفائها من التيار‬
                                           ‫والطرف السابع هو القوى‬          ‫الديني التي كانت تصارع الروح‬
                         ‫جديد‪.‬‬             ‫السياسية الحزبية التقليدية‬
 ‫ولا ننسى في هذا المقام أن كثي ًرا‬        ‫التي كانت تعيش على الفتات‬             ‫المدنية والوطنية والشعبوية‬
                                       ‫المتاح من نظام مبارك‪ ،‬وترضى‬                                 ‫ليناير‪.‬‬
    ‫من الثورات الشعبية في دول‬           ‫بالهامش البارد الذي تم رسمه‬
  ‫أخرى قد تعثرت‪ ،‬لكنها لم تلبث‬         ‫لها‪ ،‬ووجدت في الثورة ما يهدد‬           ‫والرابع هو قوى إقليمية رأت‬
‫أن جمعت أشتاتها‪ ،‬وصنعت وعيًا‬            ‫وجودها ومصالحها‪ ،‬فجارتها‬               ‫أن التغيير الجذري في مصر‬
‫قو ًّيا حيال قضايا الحريات العامة‬    ‫ونافقتها في العلن‪ ،‬مظهر ًة تأييدها‬      ‫يهدد نظمها واستقرار بلدانها‪،‬‬
  ‫والرشادة‪ ،‬ولم تجد القوى التي‬          ‫لها‪ ،‬ولعنها في السر‪ ،‬ثم سعت‬         ‫من منطلق اقتناع أوجدته حكمة‬
 ‫تصدت للثورة ُب ًّدا في النهاية من‬      ‫إلى إجهاضها‪ ،‬بالتواطؤ مع كل‬        ‫التاريخ ومعطياته يقول إن مصر‬
                                           ‫الأطراف التي عملت في هذا‬       ‫إن تغيرت تغير العالم العربي‪ ،‬بل‬
             ‫الاستجابة للتغيير‪.‬‬
                                                             ‫الاتجاه‪.‬‬               ‫الشرق الأوسط برمته‪.‬‬
‫القيادة السياسية الحالية‬               ‫وأعتقد أن الثورة المصرية‪ ،‬التي‬         ‫والخامس هي القوى الدولية‪،‬‬
‫تح ِّمل «ثورة» يناير ‪-‬على‬             ‫انفتح قوسها الأول في ‪ 25‬يناير‬
‫لسان الرئيس عبد الفتاح‬               ‫‪ 2011‬ولم ينغلق بعد بشكل كامل‪،‬‬                ‫ولاسيما الولايات المتحدة‬
‫السيسي نفسه‪ -‬مسئولية‬                                                            ‫الأمريكية‪ ،‬التي اعترفت على‬
 ‫الإخفاق في ملفات كثيرة‪،‬‬                 ‫تمتلك قوة دفع داخلية كامنة‪،‬‬       ‫لسان كبار مسئوليها بأن الثورة‬
                                      ‫تتمثل في رغبة شعبية متسعة في‬           ‫المصرية قد فاجأتها‪ ،‬وسارعت‬
   ‫أهمها سد النهضة‪ ،‬هل‬                ‫تحسن الأوضاع‪ ،‬وتغير الأحوال‬             ‫إلى بناء شبكة علاقات وأنماط‬
   ‫توافق على هذا الطرح؟‬                                                       ‫تحالف تحافظ على مصالحها‪،‬‬
                                         ‫إلى الأفضل في المجالات كافة‪،‬‬       ‫ولم يكن هذا التوجه في جوهره‬
                   ‫ولماذا؟‬                ‫وستكون لها الكلمة العليا في‬        ‫إلا المساعدة في استعادة النظام‬
                                     ‫نهاية المطاف‪ ،‬ولو بعد زمن‪ ،‬وهذا‬        ‫الذي كانت تتعامل معه كصديق‬
 ‫أختلف مع هذه الرؤية في جانب‬                                              ‫أو حليف‪ ،‬أو البحث عن بديل آمن‬
     ‫منها‪ ،‬نعم يمكن الحديث عن‬                   ‫قدر الثورات الشعبية‪.‬‬         ‫للمصالح الأمريكية‪ ،‬وهنا ظهر‬
                                         ‫إن الثورة قوبلت بقوى تعاند‬          ‫التقارب مع الإخوان والتعويل‬
  ‫اضطرابات سياسية واجتماعية‬               ‫التاريخ‪ ،‬ولا تزال تفعل هذا‪،‬‬
      ‫وأمنية واكبت الثورة‪ ،‬وهذا‬        ‫لكنني أتصور أن الجيل الجديد‪،‬‬                                ‫عليهم‪.‬‬
                                      ‫الذي لا تقيده الحسابات الضيقة‬          ‫أما الطرف السادس فيتمثل في‬
   ‫طبيعي في كل الثورات‪ ،‬لكن لا‬       ‫القديمة‪ ،‬لا يزال راغبًا في التغيير‪،‬‬   ‫الانتهازيين من الثوار أو ثوار ما‬
    ‫يمكن تحميل ثوار‪ ،‬لم يصلوا‬             ‫وطريق هذا ليس واح ًدا‪ .‬لقد‬       ‫بعد الثورة‪ ،‬أولئك الذين سارعوا‬
  ‫إلى الحكم‪ ،‬بل دفعوا ثمنًا باه ًظا‬  ‫عالجت الأمر باستفاضة في كتابي‬        ‫إلى تكوين ائتلافات لا يجمع بينها‬
‫لمطالبتهم بالتغيير‪ ،‬كل الإخفاقات‬      ‫«التغيير الآمن‪ ..‬المقاومة السلمية‬      ‫ناظم حقيقي‪ ،‬وبعض القائمين‬
  ‫التي نعيشها الآن‪ .‬بل الإنصاف‬          ‫من الثورة إلى التذمر”‪ ،‬والذي‬
   247   248   249   250   251   252   253   254   255   256   257