Page 255 - Nn
P. 255

‫‪253‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

‫وإذا تتبعنا مواكبة الأدب للثورات‬       ‫رواية عن ثورة يناير‬                     ‫هناك اقتناع لدى قطاع عريض‬
‫فسنجد أن الشعر يواكب الثورات؛‬      ‫عنوانها «سقوط الصمت»‪،‬‬                    ‫من الناس بأن الديمقراطية أساس‬
                                                                            ‫متين للحل‪ ،‬وأن أي مسار تنموي‬
  ‫فيما يأتي السرد متأخ ًرا بعض‬      ‫ثم كتبت تجربتك الذاتية‬
 ‫الوقت‪ .‬وهناك ثلاثة اتجاهات في‬     ‫مع الثورة بعنوان «عشت‬                         ‫محكوم عليه بالفشل الذريع‬
 ‫هذا الشأن‪ :‬الأول يطالب بانتظار‬                                                 ‫طالما ظل يتنقص من الحريات‬
                                        ‫ما جرى»‪ ،‬فهل تعتقد‬                    ‫العامة‪ ،‬ويتنكر لحقوق الإنسان‪،‬‬
   ‫اكتمال الحدث‪ ،‬والثاني يف ّضل‬       ‫أن الأدب له دور؟ وهل‬                      ‫ويرفض التعددية‪ ،‬ولا يسمح‬
     ‫التعامل معه مباشرة حتى لا‬     ‫استطاع حتى الآن التعبير‬                    ‫بقيام مؤسسات سياسية مدنية‬
   ‫يفقد الروائي طزاجة التفاصيل‬     ‫عما جرى في يناير ‪2011‬؟‬                      ‫بوسعها صناعة بديل‪ ،‬ويضيق‬
   ‫الإنسانية والجمالية التي يراها‬
  ‫ويعايشها‪ ،‬لاسيما أن الثورة في‬      ‫ساهم الأدب في التمهيد للثورات‬                 ‫ذر ًعا بالمحاسبة والمساءلة‬
 ‫حد ذاتها فعل مكتمل الملامح‪ ،‬بل‬     ‫العربية‪ ،‬وتفاعل بشكل خ َّلق مع‬                               ‫والشفافية‪.‬‬
    ‫هي عمل أدبي كبير وملحمي‪،‬‬         ‫«الفعل الثوري» بعد اندلاعه‪ ،‬ثم‬
 ‫وعلى الأديب أن يبحث عن «حيلة‬                                               ‫إن ما ينقص ح ًّقا هو وجود ثقافة‬
 ‫فنية» لمعالجة الأمر‪ ،‬والثالث يرى‬      ‫راح يستفيد منه شع ًرا ونث ًرا‪،‬‬           ‫مدنية قوية‪ ،‬وسياق اجتماعي‬
     ‫إمكانية تسجيل هذه الأشياء‬         ‫فالأدب يوقظ الوعي وينتصر‬                  ‫متماسك يحملها على أكتافه‪،‬‬
‫الحميمة ثم إعادة استخدامها فيما‬      ‫لقيم الحرية والعدالة والمساواة‪،‬‬             ‫ويدفعها إلى الأمام‪ ،‬وهذا لن‬
                                                                               ‫يتم بين يوم وليلة‪ ،‬إنما يتطلب‬
                           ‫بعد‪.‬‬          ‫ويفضح القبح‪ ،‬ويبني عالمًا‬            ‫كفا ًحا طوي ًل‪ ،‬كانت ثورة يناير‬
    ‫والأدب العربي توزع في هذه‬      ‫مواز ًيا أفضل‪ ،‬ومن ثم يسهم‪ ،‬مع‬
                                   ‫عناصر أخرى‪ ،‬في مرحلة «التخ ُّمر‬            ‫حلقة قوية في سلسلته الطويلة‪،‬‬
      ‫الاتجاهات الثلاثة‪ ،‬وسيظل‬                                                   ‫وإن كانت الثورة قد تعثرت‪،‬‬
  ‫يواصل التعبير عن هذه اللحظة‬                            ‫الثوري»‪.‬‬
                                    ‫ويشارك الأدب في الفعل الثوري‬              ‫فإن الدخول في الضغط المتدرج‬
       ‫التاريخية الكبري بأشكال‬     ‫من خلال دوره في التعبئة وإلهاب‬                 ‫والسلمي من أجل الإصلاح‬
       ‫متعددة‪ ،‬صريحة ورمزية‪،‬‬        ‫الحماس‪ ،‬عبر مختلف أنواعه؛ من‬                   ‫السياسي ليس مستحي ًل‪،‬‬
     ‫ووجود الثورة كمركز للعمل‬       ‫شعر وزجل وهتافات وشعارات‬
  ‫الروائي أو الشعري‪ ،‬أو وضعها‬      ‫وصور جمالية وعبارات ساخرة‪،‬‬                ‫وامتلاك القوى المناصرة للتغيير‬
 ‫في خلفية الأحداث التي يخوضها‬                                                   ‫خيال سياسي أمر ضروري‪،‬‬
  ‫أبطال الرواية أو القصة‪ .‬وأعتقد‬       ‫فيما يصبح «الخيال الجمعي»‬                   ‫وربما لهذا أصدرت كتابي‬
      ‫أن الثورة‪ ،‬وما ترتب عليها‪،‬‬    ‫للثوار ُمنت ًجا أدبيًّا ملحميًّا في حد‬
 ‫سيظل ملهما للأدباء في السنوات‬     ‫ذاته‪ ،‬علاوة على أن الثورة والأدب‬         ‫«الخيال السياسي» في عام ‪،2017‬‬
                                    ‫يشتركان في كون الصراع يشكل‬                 ‫لأني شعرت أن هذا ما ينقصنا‬
                          ‫المقبلة‬                                                                ‫أي ًضا الآن‪.‬‬
                                                 ‫ُبع ًدا أساسيًّا لهما‪.‬‬
                                                                              ‫أخيرا‪ ..‬أنت أديب‪ ،‬كتبت‬
   250   251   252   253   254   255   256   257   258   259   260