Page 260 - Nn
P. 260

‫العـدد ‪35‬‬                          ‫‪258‬‬

                                    ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

‫وربما دخل عميد الكلية ضمن هذا‬        ‫السياسي في الجامعة يتم الضرب‬          ‫إفساد السياسة للجامعة‪ ،‬وكان‬
   ‫التواطؤ‪ ،‬فتتوقف الشكوى عند‬       ‫بعرض الحائط بكل القيم الجامعية‪،‬‬          ‫وكيل الكلية يجمع إلى الوكالة‬

 ‫مكتب الوزير الذي لن يراها‪ ،‬فإن‬           ‫فتشير الشهادات إلى أولوية‬        ‫منصب أمين الاتحاد الاشتراكي‬
   ‫كان لدى العضو وساطة تحمل‬           ‫المنتمي إلى الاتحاد الاشتراكي في‬        ‫فيها‪ ،‬وهو بهذه المثابة مركز‬
                                    ‫التعيين والسيطرة‪ ،‬وتحول أعضاء‬            ‫سلطة سياسية في الكلية‪ ،‬وفي‬
‫إلى معالي الوزير شكواه‪ ،‬ووصلت‬
 ‫بالفعل إلى يده فإن معاليه يحيلها‬       ‫هيئة التدريس إلى «جواسيس»‬       ‫سيرة د‪.‬الربيعي موقف يحكي فيه‬
                                       ‫وخونة أحيا ًنا‪ ،‬ويحكي الدكتور‬       ‫محادثة بينه وبين وكيل الكلية‪،‬‬
    ‫إلى رئيس الجامعة للتحقيق في‬     ‫الطاهر مكي في شهادته عن رئيس‬            ‫في هذه الحقبة‪ ،‬وهو يلقي إليه‬
‫الموضوع‪ ،‬وسيقوم رئيس الجامعة‬          ‫الجامعة بالنيابة وكان وكيلها في‬     ‫الأوامر‪ ،‬فيساله الدكتور الربيعي‬
                                      ‫نفس الوقت وهو الدكتور حسن‬            ‫هل تتكلم بصفتك الأكاديمية أو‬
  ‫بإحالة الشكوى إلى العميد للنظر‬       ‫الشريف‪ ،‬يقول بعد ذكر موقف‬
    ‫والتحقيق‪ ،‬فيجد العضو نفسه‬                                             ‫بصفتك السياسية؟ فيرد عليه بل‬
    ‫في دوامة تسلمه في النهاية إلى‬         ‫غير نزيه له‪« ،‬وهكذا أصبح‬          ‫بصفتي السياسية‪ ،‬وهي صفة‬
                                         ‫الدكتور حسن الشريف رجل‬
 ‫الشخص الذي يتضرر منه (وهذا‬         ‫الأمن‪ ،‬ليس فقط في الجامعة‪ ،‬وبين‬      ‫لها من الحسم والقوة ما لا يتوفر‬
                   ‫عن تجربة)‪.‬‬       ‫الطلاب‪ ،‬وكان مسئو ًل عنهم بحكم‬        ‫للصفة الأكاديمية‪ ،‬ما يجعل لهذا‬
                                     ‫وظيفته‪ ،‬وإنما في مجلس الجامعة‬         ‫السؤال مغزاه‪« :‬ما دور مجلس‬
  ‫في هذا المشهد العبثي يتم تعطيل‬
  ‫القانون علانية من خلال إسناد‬                            ‫نفسه»(‪.)17‬‬         ‫القسم ومجلس الكلية إذا كان‬
   ‫المناصب القيادية ‪-‬مثل العمادة‬      ‫في جيلنا سيبدو الأمر أكثر ريبة‬          ‫الاتحاد الاشتراكي سيتدخل‬
   ‫والوكالة ورئاسة الأقسام‪ -‬إلى‬      ‫مما كان عليه‪ ،‬فإذا اعترض عضو‬          ‫في هذه النواحي؟»(‪ .)15‬وللتأكيد‬
  ‫أشخاص من أهل الثقة‪ ،‬ويصدر‬            ‫هيئة تدريس على قرار أو وضع‬         ‫سأنقل رأي الدكتور الطاهر مكي‬
   ‫قرار رئيس الجامعة لفلان بأن‬                                              ‫في جزء من حقبة عبد الناصر‪،‬‬
                                        ‫يتعلق بسير العمل الأكاديمي‪،‬‬          ‫يقول‪« :‬كانت الأعوام ‪-1964‬‬
     ‫يكون قائ ًما بأعمال العميد أو‬    ‫وقدم شكوى إلى عميد الكلية لن‬             ‫‪ 1967‬من حياة مصر بالغة‬
 ‫الوكيل أو رئيس القسم‪ ،‬بالمخالفة‬        ‫ينظر فيها لأنه لا يتم شيء إلا‬      ‫القسوة‪ ،‬فقد اهتزت هيبة الحكم‬
 ‫الصريحة لنصوص قانون تنظيم‬             ‫بأمره‪ ،‬فيضطر العضو إلى رفع‬           ‫إثر حركة الانفصال السورية‪،‬‬
                                     ‫الشكوى إلى مكتب رئيس الجامعة‬       ‫فطاش اتزان أجهزة الأمن‪ ،‬وأخذت‬
  ‫الجامعات‪ ،‬ويظل الأمر على هذه‬                                              ‫تضرب في كل مكان دون غاية‬
   ‫الصورة‪ ،‬وإذ يجد القائم بعمل‬           ‫الذي يحيلها بدوره إلى مكتب‬           ‫إلا الإرهاب والإخافة وتأخذ‬
 ‫العميد فسحة من مخالفة القانون‬        ‫مستشاره القانوني‪ ،‬لفتح تحقيق‬        ‫البريء بالمذنب‪ ،‬وغرست العملاء‬
‫فإنه يصدر لنفسه قرارات برئاسة‬                                             ‫والجواسيس بين شتى الطبقات‪،‬‬
 ‫أقسام‪ ،‬تحت مسمى المشرف على‬             ‫في الشكوى‪ ،‬وبالتواطؤ تنتهي‬            ‫وكثيرون استسلموا ونسوا‬
‫القسم‪ ،‬فيكون الأستاذ قائ ًما بعمل‬        ‫الشكوى عند مكتب المستشار‬        ‫مبادئهم وثقافتهم وعملوا مع هذه‬
   ‫العميد والوكيل ورئيس أقسام‪،‬‬            ‫القانوني‪ ،‬فلا يوجد نص في‬          ‫الأجهزة مرشدين يتجسسون‬
 ‫وربما تكون ثلاثة أقسام‪ .‬في هذه‬       ‫القانون يضطره إلى تحريك هذه‬            ‫على زملائهم‪ ،‬وطلا ًبا يكتبون‬
   ‫الحالة فإن الحديث عن «قانون‬        ‫الشكوى‪ ،‬وتموت بالنسيان‪ ،‬فإذا‬        ‫التقارير عن أساتذتهم‪ ،‬وأساتذة‬
   ‫تنظيم الجامعات» يصبح مثا ًرا‬          ‫تطلع العضو إلى مكتب وزير‬       ‫يتجسسون على زملائهم‪ ،‬وأساتذة‬
 ‫للسخرية‪ ،‬ويستطيع هذا الأستاذ‬            ‫التعليم العالي‪ ،‬فإنه يقدم هذه‬     ‫يستخدمونهم ليقوموا بعمليات‬
                                      ‫الشكوى إلى مكتب معالي الوزير‪،‬‬        ‫غسيل المخ لسجناء ومعتقلين لا‬
      ‫القائم بعمل العميد والوكيل‬    ‫وسيعلم علم اليقين بوجود تواطؤ‪،‬‬      ‫حول لهم ولا طول»(‪ .)16‬في ظل هذه‬
 ‫ورئاسة الأقسام أن يفعل ما شاء‬      ‫ولن تتحرك الشكوى‪ ،‬فثمة تواصل‬         ‫الظروف التي يتحكم فيها الفساد‬
                                       ‫خفي بين مكتب رئيس الجامعة‬
    ‫لمن يشاء حسبما يشاء‪ .‬وربما‬            ‫ومكتب وزير التعليم العالي‪،‬‬
  ‫يتخيل القارئ أن هذه ديستوبيا‬
    ‫‪ Dystopia‬وأضغاث أحلام أو‬
  ‫خيال سوداوي‪ ،‬لكن هذه وقائع‬
   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265