Page 258 - Nn
P. 258

‫العـدد ‪35‬‬                         ‫‪256‬‬

                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

   ‫الراتب والحوافز‪ ،‬وبذلك يتحول‬       ‫النوع ذات وظيفة غير التي نفكر‬       ‫أو من خلال ذكر مواقف موجزة‬
‫العميد إلى (إله صغير) يحكم كليته‪،‬‬                            ‫بها(‪.)10‬‬      ‫كما هو عند لطيفة الزيات(‪ ،)7‬أو‬
                                                                        ‫بتفصيل بضعة مواقف كما هو عند‬
   ‫ولا يردعه إلا (إله صغير) آخر‬       ‫هذه هي الفكرة التي أطال رؤوف‬      ‫رضوى عاشور(‪ .)8‬وفي السير محل‬
   ‫يحكم الجامعة‪ ،‬ورئيس الجامعة‬         ‫عباس الوقوف عندها حتى لفت‬            ‫الدراسة‪ ،‬تبدو مقاربة الربيعي‬
   ‫يستطيع الإطاحة بالعميد وقتما‬          ‫أنظار قرائه بشدة‪ ،‬ففي فصل‬       ‫منصبة على نتائجها بتحفظ‪ ،‬عكس‬
                                                                          ‫ما فعل رؤوف عباس الذي امتلك‬
     ‫يشاء‪ ،‬ويتم كل ذلك بالقانون‪،‬‬     ‫بعنوان (موعد مع الرئيس) تتضح‬
‫فبرغم أن الجامعة محكومة بقانون‬         ‫الذهنية البوليسية الصرفة التي‬          ‫من الجرأة والشجاعة ما جر‬
                                          ‫تعامل بها نظام السادات مع‬       ‫عليه الكثير من المتاعب القضائية‪،‬‬
      ‫تنظيم الجامعات‪ ،‬وتعديلاته‬           ‫الأساتذة‪ ،‬وقراءة هذا الفصل‬
     ‫المتعددة‪ ،‬إلا أن واقع الأمر أن‬    ‫محبطة لأي أمل يرتجى من مثل‬             ‫وبينهما يتوسط عبد الرحمن‬
  ‫المسئولين معهم «يتحول القانون‬                         ‫هذه العقلية‪.‬‬     ‫بدوي الذي امتلك رؤية من خلال‬
   ‫إلى أن يكون في خدمتهم بدل أن‬           ‫يمتلك عميد الكلية صلاحيات‬     ‫مساهمته في محاربة هذه المركزية‪،‬‬
                                           ‫مهولة في التعامل مع كليته‪،‬‬
            ‫يكونوا في خدمته»(‪.)11‬‬        ‫ويستطيع أن يحيل أي أستاذ‬             ‫ومحاولته إقرار قانون مثالي‬
        ‫ينفرد رؤوف عباس بذكر‬             ‫إلى مجلس تأديب ويوقفه عن‬            ‫«لاختيار العمداء والمديرين في‬
    ‫موقف سيادي معلوم للجميع‪،‬‬          ‫العمل‪ ،‬فإذا اتضحت براءته يعود‬        ‫الجامعة» عام ‪ ،1953‬وبي َّن لماذا‬
   ‫يتعلق بزوجة رئيس الجمهورية‬           ‫إلى ممارسة عمله‪ ،‬وكذلك يفعل‬
    ‫(د‪.‬جيهان السادات) وكيف تم‬           ‫رئيس الجامعة مع أي معترض‬                          ‫فشل الاقتراح‪.‬‬
       ‫تعديل القانون والتلاعب به‬        ‫على سياسته‪ ،‬وحدث هذا مرا ًرا‬          ‫في قراءة عدنان الأمين لحالة‬
     ‫لخدمتها‪ ،‬و»حكاية» الدكتورة‬                                            ‫الجامعة المصرية‪ ،‬توصل إلى ما‬
‫جيهان السادات من الحكايات التي‬       ‫وتكرا ًرا‪ ،‬ويظل المتضرر في حوزة‬      ‫يلي‪« :‬وتنفرد الحالة المصرية بما‬
  ‫يكثر حولها اللغظ‪ ،‬فلدى كل را ٍو‬     ‫القضاء وبعد عامين ‪-‬على الأقل‪-‬‬         ‫يسمى الدولة العميقة‪ ،‬ونواتها‬
   ‫وجهة نظر وتفاصيل لا تنسجم‬                                             ‫الجيش‪ ،‬ما جعل استتباع الجامعة‬
   ‫مع روايات أخرى‪ ،‬لذلك يحسن‬             ‫يتم الحكم له قضائيًّا‪ ،‬فيكون‬       ‫من السلطة السياسية استتبا ًعا‬
   ‫بالقارئ أن يطالعها في السيرة‪.‬‬       ‫رئيس الجامعة قد غادر منصبه‪،‬‬        ‫بحتًا يقوم اليوم عل فكرة واحدة‬
 ‫وللقارئ أن يطالع هذه الفقرة من‬
    ‫رؤف عباس التي تحكي موق ًفا‬             ‫وإذا قاضى المتضر ُر رئي َس‬           ‫هي الحفاظ على الأمن»(‪.)9‬‬
     ‫آخر‪ ،‬يقول‪« :‬وحدث أن كانت‬            ‫الجامعة‪ ،‬فإنه يقاضيه بصفته‬       ‫«الحفاظ على الأمن»؛ هذه المقولة‬
     ‫سيدة تشغل درجة الأستاذية‬            ‫لا بشخصه فتكون الخصومة‬
     ‫بإحدى كليات جامعة القاهرة‬         ‫مع الجامعة‪ ،‬وبذلك يأمن رئيس‬          ‫هي المفتاح لفهم فلسفة تسيير‬
      ‫معارة للسعودية‪ ،‬وطلبت مد‬         ‫الجامعة من أدنى ضرر‪ ،‬وكذلك‬         ‫العمل الجامعي‪ ،‬والشخص الذي‬
 ‫إعارتها لمدة ثالثة (ست سنوات)‪،‬‬          ‫يفعل العميد‪ ،‬فإذا «استلطف»‬       ‫يثبت للدولة أنه الأقدر على القيام‬
     ‫ولما كانت تلك السيدة شقيقة‬       ‫رئي ُس الجامعة العمي َد تحول ذلك‬  ‫بهذا العبء هو الأكثر ح ًّظا في تولي‬
  ‫رئيس الوزراء‪ ،‬فقد حصل حسن‬          ‫«الاستلطاف» إلى سيف مسلط على‬        ‫منصب العميد أو رئيس الجامعة‪.‬‬
 ‫حمدي رئيس الجامعة على موافقة‬        ‫رقاب العاملين في الكلية (الموظفين‬   ‫في ظل هذه القاعدة الذهبية تدخل‬
 ‫مجلس الجامعة على إعارتها برغم‬         ‫والعمال وهيئة التدريس والهيئة‬       ‫الجامعة في سياق الأمن البحت‪،‬‬
 ‫رفض مجلس الكلية لذلك‪ ،‬واستند‬           ‫المعاونة)‪ ،‬ويمتلك العميد سلطة‬
‫رئيس الجامعة إلى فتوى فصلّها له‬      ‫نقل أي عدد من العمال والموظفين‬         ‫«وتعني هذه السياسة التعامل‬
‫المستشار القانوني للجامعة باعتبار‬     ‫من كليته بزعم أنهم عمالة زائدة‪،‬‬     ‫مع الجامعة بعقل عسكري‪ ،‬وهي‬
‫أن تقدير مدى ضرورة مد الإعارة‬          ‫ويستطيع إيقاف أي عضو هيئة‬         ‫تقوم على الانضباط وولاء الأدنى‬
    ‫من صلاحيات رئيس الجامعة‬            ‫تدريس وتعطيل أي عضو هيئة‬
                                        ‫معاونة‪ ،‬ناهيك عن الخصم من‬            ‫للأعلى من الأستاذ إلى رئيس‬
                                                                         ‫الجمهورية‪ ،‬مرو ًرا برئيس القسم‬
                                                                         ‫والعميد ورئيس الجامعة والوزير‪.‬‬
                                                                          ‫فالجامعة بالنسبة لحكام من هذا‬
   253   254   255   256   257   258   259   260   261   262   263