Page 270 - Nn

‫العـدد ‪35‬‬ ‫‪268‬‬

‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

‫الفرصة والمساحة اللازمة للمخ‬ ‫أنهم كانوا يفتقرون لوسيلة يمكن‬ ‫‪ -1‬اكتشاف النار‪:‬‬
‫لكي ينمو في الحجم‪ ،‬وبالتالي‬ ‫الاعتماد عليها لإشعال النار‪.‬‬
‫كان يتعين على رحلة الذكاء‬
‫الفرصة لتطوير المزيد من الوعي‬ ‫وقد لا يكون التحكم في النار هو‬ ‫الصناعي أن تبدأ بنمو وتطور‬
‫والإدراك والقدرات الذهنية‪ ،‬كما‬ ‫أول اختراع هام للأسلاف‪ ،‬فقد‬ ‫الذكاء الطبيعي أو ًل‪ ،‬فبدون أن‬
‫سبقته صناعة الأدوات والأسلحة‬ ‫يكون الإنسان نفسه ذكيًّا كيف‬
‫أدى طهو الطعام إلى سهولة‬ ‫الحجرية لاستخدامها في القنص‬ ‫يمكن للذكاء الصناعي أن يوجد؟‬
‫وسرعة مضغه وهضمه مما‬ ‫وقد اشتعل ذكاء البشر بعد أن‬
‫وفر للمخ البشري الشره للطاقة‬ ‫وفي الدفاع عن النفس‪ ،‬ولكنه‬ ‫بدأوا أخي ًرا في طهي طعامهم‬
‫المزيد من تلك الطاقة المهدرة على‬ ‫بلاشك كان الأخطر‪ ،‬إذ إن الشعلة‬ ‫بشكل منتظم بعد اكتشافهم للنار‬
‫عمليات المضغ والهضم المطولة‪،‬‬ ‫الأولى للحضارة قد اندلعت حرفيًّا‬ ‫وإمكانية التحكم فيها‪ ،‬فبرغم‬
‫وأما الآثار الاجتماعية وتغير‬ ‫أن أسلاف البشر ربما عرفوا‬
‫العادات والأعراف بعد اكتشاف‬ ‫بعد تلك الشرارة الأولى التي‬ ‫الطعام المطهو‪ ،‬فلربما أكلوا من‬
‫النار فعديدة‪ ،‬وسوف نبين تلك‬ ‫تمكن الإنسان الأول من إشعالها‬ ‫جثة لحيوان احترقت داخل أحد‬
‫الآثار بالتفصيل في موضع آخر‬ ‫بنفسه لإيقاد الحطب لأول مرة‪،‬‬ ‫الغابات بفعل صاعقة أو ما شابه‪،‬‬
‫عندما تحين فرصة لذلك‪ ،‬ولكن‬ ‫ولا شك أنهم قد أدركوا حينها‬
‫ما يعنينا في هذا المقال ح ًّقا هو‬ ‫وهو ما مكنه أخي ًرا من تسخير‬ ‫أن اللحم يصير أطيب عندما يتم‬
‫متابعة التطور التكنولوحي‬ ‫النار والانتفاع بها والاستفادة‬ ‫طهيه بالنار‪ ،‬ولعلهم حاولوا بلا‬
‫والحضاري منذ حدث التحكم في‬ ‫من قدراتها الهائلة‪ ،‬فبإشعال النار‬
‫النار في الماضي السحيق‪ ،‬وإلى‬ ‫أصبح تحت أيدي البشر فجأة‬ ‫كلل ترويض ذلك المارد‬
‫أن انتهينا بالتحكم في الذكاء‬ ‫مارد عملاق يستطيعون استدعاءه‬ ‫والسيطرة عليه‬
‫وإيقاظه عندما يحتاجونه عو ًضا‬ ‫بابتكار وسائل‬
‫الصناعي في يومنا هذا‪.‬‬ ‫عن انتظار الصواعق لإشعاله‪.‬‬ ‫لإبقاء النار‬
‫ولا شك أن وجه البشرية‬ ‫مشتعلة لأطول‬
‫‪ -2‬وتيرة التقدم البشري‪:‬‬ ‫فترة ممكنة‪ ،‬إلا‬
‫منذ تلك اللحظة قد‬
‫كما هو معروف سار هذا التطور‬ ‫تغير إلى الأبد‪ ،‬فقد كان‬
‫التكنولوجي‪ /‬الاجتماعي عقب‬ ‫لاكتشاف النار والتحكم‬
‫فيها أعظم الأثر على غذاء‬
‫التحكم في النار في وتيرة شديدة‬
‫البطء‪ ،‬وإن كانت أي ًضا متسارعة‪،‬‬ ‫أسلاف البشر وما نتج عنه‬

‫فمر بعدة مراحل ومحطات‬ ‫من تطورهم بيولوجيًّا‬
‫كانت تفصلها آلاف ثم أصبحت‬ ‫واجتماعيًّا إلى‬
‫لاح ًقا مئات من السنين‪ ،‬كان من‬
‫بين تلك المحطات اختراع الإبرة‬ ‫البشر الحاليين‪،‬‬
‫(وبالتالي حياكة جلود الحيوانات‬
‫وغيرها لصنع ملابس طلبًا للدفء‬ ‫فعلى المستوى‬
‫والأمان)‪ ،‬واختراع العجلة (الذي‬
‫على بساطته مكن الإنسان لأول‬ ‫البيولوجي‬

‫مرة من نقل البضائع الثقيلة‬ ‫والتطوري‬
‫والسفر إلى مسافات بعيدة‪ ،‬فشكل‬
‫كانت أهم نتائج‬
‫نقلة نوعية كبرى)‪ ،‬وكان من‬
‫تلك المحطات اكتشاف الموسيقى‬ ‫ترتبت على‬

‫تناولهم المستمر‬

‫للطعام المطهو‬

‫وبالأخص اللحم‪،‬‬

‫هي تراجع وضمور‬

‫عضلات وعظام‬

‫الفكين‪ ،‬مما أتاح‬

‫بيتر ويلر في دوره كشرطي روبوت‬