Page 289 - Nn
P. 289

‫‪287‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

     ‫يومه لجمع ال ّديدان الأرضيّة‬     ‫ال ّرجل الذي يمثّل فعليًّا العالم‬                          ‫اللّعبة‪ ،‬ويقول لجحا وبهلول‪:‬‬
  ‫من الحدائق وال ّشوارع والبيوت‬       ‫الإنسان ّي‪ ،‬وفي هذا العالم ينسحب‬                           ‫“اخلعا ما ترتديان من ثياب‪،‬‬
                                      ‫سلوك المجانين ال ّرجال على عوالم‬                         ‫واتبعاني”(‪ ،)3‬ودخلوا المجلس‪،‬‬
     ‫المجاورة‪ ،‬وسجنها في أوعية‬        ‫العقلاء ال ّرجال؛ فيدفعهم إلى حا ّفة‬                      ‫وهناك كانت ال ّصدارة للعراة‪،‬‬
  ‫زجاجيّة‪ ،‬وأطعمها حتى التّخمة‪،‬‬       ‫الجنون عندما تغدو كوابيسهم‬                                 ‫والذين يلقون بثيابهم بعي ًدا‪،‬‬
‫وكتب في وصيّته الغريبة‪“ :‬أرجو‬                                                                   ‫ولعلّهم يلقون معها الكثير من‬
   ‫دفن ديداني معي”(‪)7‬؛ إذ كانت‬                ‫حقيقة‪.‬‬                                            ‫مبادئهم في واقع بات مرهو ًنا‬
  ‫خ ّطته الغريبة تقتضي أن يدفن‬                                                                   ‫بضوابط غريبة وغير معلنة‪.‬‬
  ‫مع ديدان ممتلئة شب ًعا؛ ليضمن‬       ‫ففي ق ّصة “المطايا” يحلم البطل‬                         ‫قد تصل الأزمة والمعاناة بال ّرجل‬
 ‫عدم مساسها به‪ ،‬وهو ميّت‪ ،‬لكن‬          ‫بأ ّن خنزي ًرا يمتطي ظهره‪،‬‬
  ‫لم يكتب لهذه الخطة الكابوسيّة‬       ‫وعندما يستيقظ‪ ،‬ويذهب إلى‬                                     ‫إلى أن يصل إلى مستشفى‬
                                                                                              ‫المجانين‪ ،‬وهناك يعيش في عوالم‬
     ‫أن تن ّفذ؛ لأ ّن البطل لم يخرج‬   ‫واجهة‬   ‫إالح ّدسوىقا‪،‬لميلحلماّحت‪،‬خنفيزتيعًرلّاقعلفىي‬
  ‫من بيته منذ أن اندفعت ال ّديدان‬     ‫رقبته‪،‬‬                                                      ‫كابوسيّة مرعبة فيها العنف‬
  ‫بالآلاف جائعة مهتاجة‪ ،‬بعد أن‬                                                               ‫والجريمة واللامألوف أو معتاد؛‬
                                      ‫ويمتطيه‪ ،‬وعندما يلتفت حوله‪،‬‬
    ‫قام صبي شق ّي بفتح الأوعية‬        ‫فماذا يجد؟ يجد “ك ّل من الما ّرة‬                             ‫ففي ق ّصة “ثلاثيّة ال ّذاكرة‬
              ‫ال ّزجاجيّة جميعها‪.‬‬     ‫يحمل خنزي ًرا على ظهره‪ ،‬ودون‬                               ‫المفقودة”(‪ )4‬لسامية عطعوط‬
                                      ‫مبالاة يتابع سيره‪ ،‬ويمضي”(‪،)6‬‬                            ‫يشعر نزلاء مستشفى المجانين‬
        ‫هذه الق ّصة الغرائبيّة تل ّح‬                                                         ‫بالجوع الّشديد‪ ،‬ويقرنون لسبب‬
    ‫بطريقتها الخا ّصة على المصير‬       ‫وبذا‪ ،‬يصبح الكابوس واق ًعا‪ ،‬أو‬                        ‫ما بين العقل وأكل اللّحم‪“ ،‬لازم‬
  ‫الحتم ّي الذي ينتظر البشر وهو‬                 ‫يصبح الواقع كابو ًسا‪.‬‬                       ‫نأكل لحمة حتى نعقل”(‪ ،)5‬وعندما‬
‫الموت‪ ،‬وهو مصير أملى على البشر‬                                                                  ‫يعدمون الوسيلة لأكل اللّحم‪،‬‬
‫عباداتهم ومخاوفهم‪ ،‬كما أملى على‬            ‫تق ّدم القا ّصة ال ّرجل ضعي ًفا‬                       ‫يذبحون المم ّرضة “سلوى”‪،‬‬
‫ال ّرجل‪ /‬بطل الق ّصة ذلك ال ّسلوك‬          ‫مهزو ًما متو ّر ًطا في استلابه‬                   ‫ويطهونها‪ ،‬ويمضون في ازدرادها‪،‬‬
                                      ‫وسحقه دون أن يبذل جه ًدا ما في‬                         ‫وال ّطبيب المسؤول عن المستشفى‬
      ‫الغريب في مواجهة خاسرة‬          ‫التّم ّرد على مصيره الأسود الذي‬                         ‫ُيصعق من هذا ال ّسلوك البشر ّي‬
   ‫أمام جبروت الموت الذي يفتك‬         ‫يرضى به دون أدنى اعتراض؛‬                                  ‫المتو ّحش‪ ،‬ويغمى عليه‪ ،‬عندما‬
                                                                                                ‫يستيقظ‪ ،‬يدرك أ ّن الجنون هو‬
          ‫بالأجساد دون رحمة‪.‬‬          ‫ففي ق ّصة “هواية غريبة” يسمع‬                            ‫التيّار الجديد‪ ،‬ويجتاحه الجنون‬
 ‫في ق ّصة أخرى بعنوان “ابتسامة‬        ‫ال ّرجل أ ّن ال ّديدان تأكل الأموات‬
                                      ‫بعد موتهم‪ ،‬بات يحترف هواية‬                                          ‫الجمع ّي الذي يلقي‬
     ‫جوكر” تجعل ال ّرجل والمرأة‬                                                                            ‫بظلاله على المكان‪،‬‬
                                      ‫غريبة؛ فقد نذر معظم أوقات‬                                             ‫ومن منطلق “إذا‬

                                                                                                               ‫ج ّن قومك‪ ،‬لا‬
                                                                                                          ‫ينفعك عقلك” يلقي‬
                                                                                                         ‫بعقله بعي ًدا‪ ،‬ويلبس‬

                                                                                                            ‫مريول المجانين‪،‬‬
                                                                                                         ‫وينض ّم إلى المجانين‬
                                                                                                          ‫ليشاركهم وجبتهم‬

                                                                                                             ‫الآدميّة المرعبة‪.‬‬
                                                                                                          ‫هذا ال ّسلوك ال ّشاذ‬
                                                                                                          ‫يصبح منط ًقا لعالم‬
   284   285   286   287   288   289   290   291   292   293   294