Page 149 - m
P. 149
نون النسوة 1 4 7
كالفن هول كارل يونج أنثى تبث أشواقها وهواجسها ونداءاتها الخافتة
لأجل الوصل والاكتمال .والثاني هو الحبيب الذي
الأطباق والملاعق والسكاكين كعمل روتيني لا
بد منه؛ للعودة من جديد إلى ما تحب ،الطهي، ُيشار إليه غالبًا بالصديق .رج ٌل غائ ٌب في بلاد
مع حضو ٍر جسد ٍّي صاخ ٍب يتلاءم مع أجواء بعيدة ،ملامحه سديمية ،نشك كثي ًرا في وجوده،
تختلط فيها الروائح المحبوبة بأعذب الأغاني من فتعاجلنا الساردة بنبذة عن آخر إطلالة له على
الراديو؛ كوسيلة مقاومة ووأد الهواجس المؤلمة ،في فيسبوك ،أو إغلاقه هاتفه المحمول ،أو رأيه ذات
ص« :19يضج المطبخ بالدفء والحبور ..تشجعني مرة في كتابتها ،ويتحول التشكك في وجوده من
العنكبوت القابعة في الزاوية أعلى السقف المقابل عدمه إلى وسيلة بلاغية تضمن استمرار انهمار
للبوتاجاز بدبيب من حياة تنقض فيه غزلها لتبنيه رسائلها متواليًا كمطر الإسكندرية ون َّواتها ،لكن
من جديد ،تموء القطة في الشباك مطالبة بحقها الرسائل لا ُترسل إلى هذا الشاب الغامض .نقرأ
بقطعة ساخنة تدفئها من البرد ،تتسرب ثلاث في ص« :18أكتب إليك من جديد رسالة لن أبعثها
نملات من مخبئها تجلس بجانبي أمام الفرن ،تمد لك أب ًدا» .وفي ص« :82لم تأ ِتني رسالة أب ًدا مما
أرجلها مثلي التماس للدف والونس ،يضيء مصباح
الفرن محف ًزا لمراقبة الكعكات وهي تنتفخ كامرأة يجعلني أتساءل أكتب لي أم لك؟».
متقدة بالعاطفة والشغف تحرض على الالتهام؛ بل ورغم احتفاظ النصوص ببنية الرسالة من معرفتنا
تحرض على الحياة». للطبيعة الجغرافية لمكانها (عنوانها) ،ومقدماتها
هذه الدائرة الأولى الأساسية حيث تتحرك وتحلم، التي تبدأ غالبًا بـ»مساء الخير» ،وخطابها المُو َّجه
فالمكان هنا لم يعد جام ًدا لطول الألفة به ،بل كيان
نعرف أنفسنا به ..تكتب في الإهداء الضمني ص:7 إلى الصديق (الحبيب) الغائب عم ًدا ،ومضمون
«شك ًرا لأن كلينا يعيد تعريف الآخر ..المطبخ وأنا». الرسالة الذي يحوي خلي ًطا من المخبوزات
ثم تأتي دائرة أكبر وهي مدينة الإسكندرية بالبحر
الرحب وأمواجه الصاخبة ،والن َّوات بدمدمة رياحها، ووصفات وخطوات الطهي مختلطة بالبوح الذاتي،
ونهاية الرسالة التي تمد خي ًطا إلى الرسالة التالية
عبر سؤال مرح ،أو تساؤل وجودي ،أو دعوة..
رغم كل ذلك نشعر أننا إزاء ما يشبه أي ًضا تدوين
اليوميات ،بمثل هذه الروح الحريصة على وصف
الأحوال ،وتقلبات الفصول والأيام ،وتوالي الرسائل
من يوم إلى آخر بنفس السمات الأسلوبية .أو
يمكن أن نقول إن حالة من المزج الفني الدقيق بين
الرسالة الأدبية واليوميات حاص ٌل هنا؛ للتجريب
داخل النوع الأدبي ،وحيلة صالحة؛ لتتوارى المؤلفة
خلف راويتها حتى وإن كان ضمير المتكلم بط ًل
للاعترافات.
الدوائر الكبيرة والصغيرة
تتحرك كاتبة الرسائل في دائرة حميمة بالنسبة
إليها ،مطبخها .تقدم صورة يمكن تخيلها عن
مساحته ،وأجهزته ،وتفاصيله ،وكائناته الأخرى
التي تشاركها َحيّزه المحدود ،وصورة متحركة
لها وهي ُتح ِّضر الوجبات والوصفات بألفة ومتعة
مع رائحة البهار والبخار الطازج ،أو وهي تجلي