Page 100 - m
P. 100

‫العـدد ‪56‬‬  ‫‪98‬‬

‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

 ‫أحد الذين يصرون على دفع نصف القيمة لأنهم‬
   ‫طلاب على حد قولهم‪ .‬تقحم يدها في حقيبتها‬

  ‫وتخرج الخمسة جنيه وتناولها له دون نقاش‪.‬‬
    ‫تلتقي عيناها مجد ًدا بعيني صاحب القميص‬
   ‫الأزرق الذي كان يحدق بها منذ زمن فتغض‬
    ‫بصرها سري ًعا وتنشغل بالنظر إلى الشارع‪.‬‬

‫يمكنها الشعور بنظراته تخترق جلدها‪ ،‬تنظر إليه‬
‫مجد ًدا فتجده على حاله‪ ..‬محد ًقا‪ .‬تجول ببصرها‬
 ‫داخل المركبة لثوا ٍن ثم تنظر اليه فتجده لا يزال‬

   ‫محد ًقا‪ .‬نظراته غير مريحة تما ًما كحقيقة أنها‬
  ‫وأخرى تجلس في الأمام البنتان الوحيدتان في‬
 ‫الحافلة‪ .‬تزفر بضيق وهي تشيح بوجهها للمرة‬
 ‫المليون ثم تردد في رأسها‪« :‬اح ّي أنا‪ ..‬هسه كان‬

                        ‫في داعي اتأخر كدة!»‪.‬‬
‫«هنا يا ولد!» يصيح الشيخ غاضبًا وهو يضرب‬

     ‫بعصاه أرضية المركبة فيتوقف السائق ذو‬
      ‫الأذن الثقيلة بعد دقيقة كاملة من الطقطقة‬
    ‫والـ»سكسكسكسكس»‪ .‬تنفرج كتلة الشبان‬
  ‫مجد ًدا مخرج ًة العجوز من داخلها إلى الشارع‬
       ‫كقي ٍح يتدفق من بثرة‪ .‬ثم يعودون لمعانقة‬
      ‫بعضهم في مشه ٍد مثي ٍر للخجل والضحك‪.‬‬
   ‫ينسحب من بينهم ثلاث ٌة يتنافسون على مقعد‬

       ‫العجوز الفارغ بينما يضم صاحب مقعد‬
    ‫«النص» قدميه معلنًا عدم رغبته في المنافسة‪.‬‬
 ‫يتدافع الثلاثة في تلك السنتيمترات الضيقة قبل‬
    ‫أن يقرر اثنان منهم أخي ًرا منح الثالث شرف‬

     ‫الجلوس‪ .‬وعلى حظها العاثر كان الفائز هو‬
    ‫صاحب القميص الأزرق‪ .‬تقدم نحوها راف ًعا‬
 ‫هامته كذكر ألفا منتصر أو حيوا ٍن منو ٍّي فخور‬
    ‫في طريقه إلى بويض ٍة عاجزة‪ .‬جلس أو ًل‪ ،‬ثم‬
 ‫تململ في مقعده‪ ،‬ثم باعد كثي ًرا بين ساقيه كأن‬
   ‫الحافلة حافلة أبوه‪ .‬ضغطت جسدها الضئيل‬
  ‫مع المعدن الصدأ وضمت ساقيها بقوة محاولة‬
 ‫خلق مسافة بينهما‪ .‬مرت دقائق أخرى والضو ُء‬
  ‫الخافت في سقف الحافلة يومض وينطفئ فوق‬
‫رؤوس الركاب أثناء عبورها بالشوارع الداخلية‬
   ‫المظلمة والمتاخمة لمحلات السوق الشعبي قبل‬
     ‫أن يحترق نهائيًّا تار ًكا الرؤوس التي تميل‬
     ‫يمنة ويسرة مع انحناءات الطريق في ظلا ٍم‬
   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105