Page 102 - m
P. 102

‫العـدد ‪56‬‬  ‫‪100‬‬

                                                ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

‫عن بقية الأوقات وبقية الأماكن؟ ماذا عن بقية‬         ‫نفسها كذلك‪ ،-‬إحداهن تعرضت للصفع من‬
‫الرجال‪ ..‬وبقية القمصان؟ هناك دائ ًما الأحمر‬        ‫ِقبل الجاني وأخرى تجاهلها الركاب ببساطة‪،‬‬
   ‫والأخضر والأصفر والكاروهات‪ ..‬وهناك‬             ‫وثالثة أُ ُت ِهمت بالفسق و ُش ِّهر بها و ُيقال أي ًضا‬
‫الجلابية بالطبع‪ .‬هناك دائ ًما من يضع يده على‬      ‫‪-‬رغم أنها لا تصد ُق الأمر تما ًما‪ -‬أ َّن المتحرش‬
   ‫جسدك ولو كنت تطوفين الكعبة في وضح‬            ‫أخرج سروا ًل داخليًّا نسائيًّا من حقيبته و صرخ‬
‫نهار رمضان‪ .‬كيف سينهي نزولك من الحافلة‬           ‫قائ ًل‪ :‬لقد كانت هذه الآنسة في غرفتي البارحة!‬
              ‫كابو ًسا سيدوم طوال حياتك!‬           ‫هناك الكثير من الاحتمالات‪ ،‬وفرصة أ ْن يقف‬
‫سارت مبتعد ًة عن الشارع الرئيسي في اتجاه‬            ‫الآخرون معها ضئيلة لكونهم رجال‪ ،‬ولكون‬
‫بقالة صغيرة ثم انعطفت إلى اليسار وهي تتقافز‬        ‫الوقت متأخر ولكون صاحب القميص الأزرق‬
‫بخفة فوق الطوب الموضوع في منتصف بركة‬             ‫لم يمسسها بسوء حتى الآن‪ .‬كل هذه العمليات‬
‫مياه ضخمة‪ .‬ستعود إلى المنزل‪ ،‬ستستحم بضع‬          ‫الحسابية لا تهم على أ ِّي حال فالعقبة الأساسية‬
‫مرات وتحك بعنف كل بقعة من جسدها وقع‬             ‫أمام فكرة الصراخ تلك هي أ َّنها ببساطة لا تمتلك‬
‫عليها نظر ذلك الحقير‪ .‬لو استطاعت فستغسل‬           ‫القدر الكافي من الشجاعة‪ .‬في حقيقة الأمر فهي‬
‫عينيها بالصابون ألف مرة ثم ستخرج جديد ًة‬           ‫ليست شجاعة البتة‪ ،‬لم تكن كذلك في أ ِّي جزء‬
‫كطفلة‪ .‬لم ت َر شيئًا‪ ..‬لم تسمع شيئًا ولم تشعر‬    ‫من حياتها ولا يبدو أ َّنها ستكون يو ًما‪ .‬تتساء ُل‬
‫بالخوف مطل ًقا من قبل‪ .‬لن تخبر أفراد عائلتها‬     ‫الآن وهي تحاول تهدئة أنفاسها المتلاحقة‪ :‬لماذا‬
‫بما حدث ولن تصف لهم الشعور المقيت الذي‬           ‫عليَّ أن أكون شجاع ًة وقوي ًة وجسور ًة لأستطيع‬
‫يجتاح داخلها بالطبع‪ ،‬لتوفر على نفسها سماع‬       ‫أن استقل المواصلات‪ ..‬أسير في الشارع واتخطى‬
‫عبارات مثل‪ :‬أن ِت تبالغين‪ ..‬الجميع يمر بمثل‬     ‫عقبات يومي العادي دون أن أشعر بالخوف على‬
‫هذه المواقف‪ ..‬انسي الأمر فحسب‪ ..‬كان عليك‬          ‫نفسي في مرحل ٍة ما؟ وما هو ‪-‬بالضبط‪ -‬القد ُر‬
‫صفعه‪ ..‬كان عليك النزول على الفور! ل َم ل ْم‬      ‫من الشجاعة الذي احتاجه هذا الرجل ليستمني‬
‫تطلبي المساعدة بحق الله! لماذا تأخر ِت أص ًل؟‬
‫تحاول أن تنسى وجهه منذ الآن‪ .‬ربما تنساه‬                ‫في مركبة عامة بجوار شخ ٍص لا يعرفه؟!‬
‫وربما يطاردها في أحلامها إلى الأبد‪ .‬ربما تنسى‬               ‫«طق طق طق طق طق طق طق طق»‬
‫الخوف الذي تملكها وربما تترسب بقاياه في كل‬
‫مكان من عقلها‪ .‬ربما تنسى هذا الموقف المقرف‬       ‫طقطقت بقو ٍة حتى احم َّر إبهامها‪« ،‬أريد أن أنزل‬
‫وربما تحمله معها إلى القبر‪ .‬لن نعلم أب ًدا‪.‬‬     ‫الآن‪ ..‬أنزلوني من هنا الآن! لقد وصل ْت‪ ،‬يمكنني‬
‫ما نعلمه يقينًا هو أنها بينما كانت تبتعد بسرعة‬   ‫الابتعاد عنه ولن أرى وجهه مجد ًدا اب ًدا!»‪ ،‬قالت‬
‫عن حافلة الشؤم التي توشك أن تتحرك؛ هرولت‬
‫فتاة أخرى في اتجاهها وجعلت تنادي «دقيقة‬             ‫لنفسها وهي تجاهد للمرور من أمام ركبتيه‪،‬‬
‫دقيقة»‪ .‬لم يكن هناك مكان لكنها أص َّرت على‬       ‫لم يكلف نفسه عناء الوقوف ليدعها تنزل‪ ،‬لا بد‬
‫الركوب‪ .‬قالت انها «ستشمع» إن تطلب الأمر‬           ‫أن منظر مؤخرتها أمام وجهه سيساعده كثي ًرا‬
‫لكنها لن تقضي ثانية أخرى في الانتظار‪ .‬يعرض‬
‫شاب خلوق مقعده للآنسة ويقف مع الواقفين‪.‬‬             ‫فيما يفعله‪ .‬تحتضن حقيبتها وتعصر نفسها‬
    ‫يض ُّم الرجل الآخر ساقيه‬  ‫تشكره بحرارة‪.‬‬      ‫بين أجساد الشباب «المشمعين»‪ ،‬معظمهم كذلك‬
‫للجلوس بجوار النافذة والتمتع‬  ‫ويدعوها بلط ٍف‬     ‫يرفضون التحرك‪ ،‬لا بأس بقلي ٍل من الاحتكاك‪..‬‬
‫بالهواء الجميل‪ ،‬تفكر أن هذا هو أقل ما تستحقه‬
‫بعد يو ٍم طوي ٍل ومتعب فتجلس مبتسم ًة وراضي ًة‬        ‫سينتهي كل هذا قريبًا‪ .‬لن تتأخر أب ًدا بعد‬
‫بجوار صاحب القميص الأزرق‪.‬‬                       ‫املجياصودصهيمرزقيوتوتفلههااهوابلاإعللينا َمشيتصهالهحراذهااينأ‪،‬مكنلعوهلتهومهالح‪،‬تعونىو َليسآوألخأنعيران ُت َمثويقرأبلقنةشأعتلبنخىذمعلوادسليمدنة‬
                                                ‫في محفظتها لسائق «الأمجاد» الاستغلالي‪ .‬ولكن‬

                                                  ‫هل هذا كا ٍف؟! لا تجد مف ًّرا من التساؤل‪ ..‬ماذا‬
   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107