Page 136 - m
P. 136

‫العـدد ‪56‬‬                            ‫‪134‬‬

                               ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬                          ‫كما أشار إلى الطرق التي‬
                                                                ‫استطاعت الصورة والتعليق‬
   ‫مثل الأنثروبولوجيا وعلم‬         ‫تشير إلى دلالة تشفيرية‬
  ‫النفس‪ .‬وكان واض ًحا لهذه‬      ‫دون الحاجة إلى تخصيصها‬            ‫التوضيحي من خلالها إلى‬
   ‫المجالات أن الصور المرئية‬    ‫بذاتها؛ بل إن وجودها يمثل‬      ‫تكريس المعنى المش َّفر بوصفه‬
                                ‫أي ًضا استعارة للوقوف على‬
       ‫في الإعلانات التجارية‬                                                  ‫دلالة نهائية‪.‬‬
     ‫كانت فعالة بشكل كبير؛‬        ‫العنصر الرئيس في أطباق‬       ‫يبدو ببساطة أن هذا التحليل‬
   ‫لأنها ‪-‬وكما يشير باشند‬        ‫المكرونة الإيطالية‪ .‬وبعبارة‬
   ‫‪ Bachand‬بعد ذلك بوقت‬        ‫أخرى يمكن العثور على أنواع‬        ‫السيميائي‪ ،‬بشقيه البسيط‬
  ‫قصير (‪ ،1994‬ص‪-)134‬‬             ‫متعددة من الاستراتيجيات‬       ‫(غير المشفر ‪،)non-coded‬‬
 ‫توفر فرصة لتجربة جمالية‬         ‫البلاغية التي تشكل جوهر‬
    ‫متنوعة؛ حيث تؤشر هذه‬                                            ‫والعميق الذي يبحث في‬
‫التجربة على أنماط مضمرة‪/‬‬               ‫النصوص اللفظية في‬            ‫مستوى العلاقة الدلالية‬
     ‫لاواعية ‪unconscious‬‬         ‫الإعلان‪ .‬إن جوهر المنهجية‬      ‫التضامنية (المشفر ‪)coded‬‬
‫للتفكير البصري‪ ،‬والتي تعمل‬        ‫التحليلية للبلاغة البصرية‬        ‫قد ان ُتقد من جوانب عدة‪،‬‬
‫‪-‬ولا شك‪ -‬على توجيه القوة‬          ‫اليوم هو فك تشفير البنية‬         ‫منها ‪-‬على سبيل المثال‪-‬‬
                               ‫البلاغية للنصوص البصرية‪،‬‬              ‫أن الإعلان يمكن فهمه‬
           ‫التفسيرية للعقل‪.‬‬    ‫بحيث يمكن فك أنماط الرموز‬          ‫عبر طرق ثقافية لا تشمل‬
   ‫وفي عقد الخمسينيات كان‬       ‫الثقافية المضمرة‪ /‬اللاواعية‬       ‫المعاني المزدوجة‪ /‬المركبة‬
                                                                    ‫‪( dichotomies‬كريس‬
      ‫جاك ديريدا ‪Jacques‬‬                             ‫فيها‪.‬‬         ‫‪ Kress‬وفان ليوين ‪Van‬‬
 ‫‪ Derrida‬يطور نه ًجا مواز ًيا‬   ‫لقد شكل مقال رولان بارت‬             ‫‪ ،)1996 ،Leeuwen‬في‬
                               ‫«بلاغة الصورة» نقطة تحول‬          ‫حين أن النقطة الرئيسة في‬
   ‫للتحليل النصي أطلق عليه‬                                       ‫مقال بارت كانت تؤكد على‬
‫«التفكيك ‪،»deconstruction‬‬           ‫حاسمة للاتجاه الجديد‬            ‫أن الصور المرئية تحمل‬
                                     ‫للسيميائيات‪ ،‬مما يدل‬       ‫معنى أكثر مما تدركه العين‬
   ‫وفي وقت لاحق بلغ ذروة‬           ‫على قوة الإشارة الكامنة‬         ‫مباشرة «التلاعب اللفظي‬
‫نهجه بالقول بأن نمط الكتابة‬        ‫في الصورة المرئية‪ .‬وبعد‬       ‫المقصود ‪،»pun intended‬‬
                                   ‫ذلك بوقت قصير‪ ،‬أصبح‬            ‫أو ما ُيسمى بعبارة أخرى‬
   ‫يؤثر على الإدراك بصورة‬      ‫الإعلان التجاري هد ًفا رئي ًسا‬       ‫«القوة البلاغية» (بيسلي‬
 ‫أكبر من أي نمط آخر (انظر‬          ‫للتحليل النقدي‪ ،‬سواء في‬     ‫‪ Beasley‬ودانيسي ‪،Danesi‬‬
                                 ‫إطار الدراسات السيميائية‬        ‫‪ .)2002‬إن التحليل الأكثر‬
      ‫دريدا‪ .)1976 ،‬ويقوم‬        ‫أو غيرها من التخصصات‪،‬‬               ‫معاصرة للإعلان ‪-‬من‬
  ‫الحجاج الرئيس في التفكيك‬                                        ‫منظور البلاغة البصرية‪-‬‬
 ‫على أن معنى النص لا يمكن‬                 ‫فيليب يناوين‬           ‫من شأنه أن يركز مباشرة‬
  ‫تحديده بأية طريقة مطل ًقا؛‬                                       ‫على الهياكل البلاغية التي‬
‫لأن النص يطرأ عليه تحولات‬                                           ‫تؤدي إلى ترسيخ شفرة‬
                                                                ‫دلالية ضمنية ‪embedded‬‬
     ‫مستمرة وف ًقا لتحولاته‬                                      ‫‪ ،connotative code‬فعلى‬
   ‫القرائية‪ :‬من يقرأه؟ ومتى‬                                      ‫سبيل المثال تلعب الطماطم‬
   ‫ُيقرأ؟ وما النظرية النقدية‬                                   ‫(في إعلان مكرونة بانزاني)‬
 ‫أو الفلسفة التي يستند إليها‬                                      ‫دور الأداة اللامعة‪ ،‬والتي‬
‫فعل القراءة؟ إن كل نص لديه‬
   ‫مجموعة من الافتراضات‬
  ‫المتضمنة فيه‪ ،‬والتي تنبثق‬
 ‫من الممارسات التاريخية في‬
 ‫الكتابة وأعرافها‪ ،‬فقد رفض‬
     ‫ديريدا الطريقة التقليدية‬
   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140   141