Page 138 - m
P. 138

‫العـدد ‪56‬‬                           ‫‪136‬‬

                               ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬                        ‫السيميائيات البصرية منذ‬
                                                               ‫البداية مع ك ٍّل من‪ :‬دراسات‬
     ‫في العالم هي التي تؤثر‬      ‫ناحية أخرى‪ .‬ويتطابق هذا‬
    ‫على الكيفية التي يتم بها‬   ‫الأخير مع مصطلح «الصورة‬               ‫التواصل البصري في‬
  ‫خلق العلامات وفهمها‪ ،‬في‬      ‫الذهنية» عند الطبيب النفسي‪،‬‬      ‫الأنثروبولوجيا‪ ،‬ودراسات‬
‫عملية يصطلح على تسميتها‬                                          ‫التفكير البصري والصور‬
‫«السيميوزيس» أو سيرورة‬            ‫فيما تتطابق الأولى مع أي‬
‫إنتاج العلامة(‪)1‬؛ ولذلك فإننا‬         ‫صورة قابلة للعرض‪.‬‬              ‫العقلية في علم النفس‪.‬‬
    ‫حين نبني علامة ما فإن‬                ‫في البداية استخدم‬       ‫وكان لهذا التداخل أساس‬
   ‫هذا يحدث ليس للإشارة‬                 ‫السيميائيون الإطار‬        ‫في تاريخ التخصص‪ ،‬فقد‬
 ‫إلى شيء ما لأغراض عملية‬
‫فحسب‪ ،‬أو لتصنيف العلامة‬            ‫السوسيري بوصفه مبدأً‬              ‫استخدم فردينان دي‬
                                   ‫أساسيًّا لتحليل العلامات‬      ‫سوسير ‪Ferdinand de‬‬
      ‫ضمن فئة مفيدة فقط‪،‬‬         ‫والنصوص المرئية‪ ،‬وكانت‬        ‫‪ ،1916( Saussure‬ص‪)16‬‬
  ‫ولكن لأننا أي ًضا ‪-‬وبشكل‬       ‫إجراءاتهم الأساسية تهدف‬
  ‫أساسي‪ -‬نرغب في تفسير‬             ‫إلى التعرف على العلامات‬           ‫مؤسس السيميائيات‬
‫العالم بطرق حسية وعاطفية‬         ‫المرئية للنص وعلى دلالاتها‬       ‫الحديثة في القرن التاسع‬
 ‫محددة‪ .‬وسيكون من المفيد‬           ‫النصية؛ وذلك من خلال‬
                                  ‫النظر في الدوال البصرية‪،‬‬          ‫عشر صورة الكلمة في‬
   ‫بشكل خاص التطرق إلى‬              ‫مثل‪ :‬النقاط‪ ،‬والخطوط‪،‬‬      ‫نظريته حول العلامة‪ ،‬زاع ًما‬
     ‫تصنيف بيرس الثلاثي‬           ‫والأشكال‪ ،‬والألوان‪ ،‬وأية‬
   ‫للعلامات (الأيقون ‪،icon‬‬      ‫أشكال بصرية أخرى‪ .‬ولكن‬           ‫أن السيميولوجيا ستكون‬
    ‫والمؤشر ‪ ،index‬والرمز‬       ‫مع ذيوع صيت سيميوطيقا‬           ‫فر ًعا من فروع علم النفس‪.‬‬
 ‫‪ .)symbol‬أما «الأيقون»(‪)2‬‬                                      ‫ع َّرف دي سوسير العلامة‬
 ‫فهو علامة تشبه «المرجع‪/‬‬             ‫بيرس ‪ Peirce‬في عقد‬        ‫بوصفها بنية ثنائية‪ ،‬تتكون‬
                                   ‫الثمانينيات داخل الاتجاه‬   ‫من ش ٍّق مادي سماه «الدال»‪،‬‬
       ‫الموضوع ‪)3(»object‬‬                                        ‫وشق عقلي (ذهني) سماه‬
 ‫بطريقة أو بأخرى‪( :‬أي أن‬              ‫السيميائي السائد بدأ‬      ‫«المدلول»؛ مثل كلمة «القط»‬
  ‫تكون العلاقة بين العلامة‬        ‫السيميائيون يبتعدون عن‬       ‫فهي بمثابة «الدال» (صورة‬
                               ‫توجه دي سوسير واعتمدوا‬
   ‫والمرجع علاقة مشابهة)‪،‬‬                                           ‫صوتية‪ /‬سمعية)؛ أي‬
 ‫مثل‪ :‬الصور الفوتوغرافية‪،‬‬             ‫بشكل أكبر على رؤى‬       ‫تسلسل من الأصوات المميزة‪،‬‬
‫اللوحات‪ ،‬والأرقام الرومانية‬        ‫وتصورات نظرية بيرس‬
                                                                ‫و«مدلولها» يعني نو ًعا من‬
   ‫(‪ ،)III –II –I‬فهذه الأنواع‬                ‫حول العلامة‪.‬‬        ‫الحيوانات الثديية الأليفة‪،‬‬
   ‫من العلامات تصنف أنها‬             ‫ُيعد تشارلز ساندرس‬          ‫وهذا «المدلول» هو بمثابة‬
                                ‫بيرس ‪Charles S. Peirce‬‬        ‫«التصور الذهني‪ /‬المفاهيمي»‬
      ‫«أيقونات» لأنها تشبه‬     ‫مؤسس السيميائيات الحديثة‬
‫«المرجع‪ /‬الموضوع» بصر ًّيا‪.‬‬      ‫جنبًا إلى جنب مع فردينان‬          ‫الذي يستدعيها «الدال»‬
                                  ‫دي سوسير‪ ،‬وقد ُو ِجدت‬          ‫إلى الذهن‪ .‬وعلى الرغم من‬
    ‫أما «المؤشر» فهو علامة‬       ‫رؤاه النظرية حول العلامة‬         ‫أن دي سوسير لم يصك‬
‫تنطوي بذاتها على علاقة من‬        ‫متناثرة في كتاباته المتعددة‬      ‫مصطلح «علامة مرئية»‪،‬‬
                                   ‫(بيرس‪.)1958 -1931 ،‬‬        ‫فإنه من الممكن وصفها بأنها‬
   ‫نو ٍع ما؛ أي أنها مصممة‬          ‫لقد كانت نظرية بيرس‬         ‫‪-‬من ناحية أولى‪« -‬صورة‬
‫لوضع «المرجع‪ /‬الموضوع»‬             ‫جذابة ومؤثرة بشكل ما؛‬        ‫مرئية» على مستوى الدال‪،‬‬
                                ‫حيث تأسست رؤيته على أن‬          ‫و«صورة مفاهيمية» مماثلة‬
       ‫في علاقة مع بعضها‬         ‫تجاربنا الحسية والعاطفية‬     ‫لهذه التي أثارها الدال اللفظي‬
   ‫للإشارة إلى مستخدمها‪،‬‬
                                                                   ‫على مستوى المدلول من‬
        ‫أو تشير إلى السياق‬
   ‫الذي تحدث فيها العلامة‬
   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143