Page 175 - m
P. 175

‫‪173‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

              ‫الوحي الذى‪:‬‬     ‫المواجهة مع الإنسان» وما‬      ‫للصراع حول الإنسان»‪ .‬فقد‬
    ‫‪ -١‬تغير مع تغير أحوال‬     ‫كان التعالي بالقرآن إذن‪ ،‬إلا‬     ‫كان هناك دائ ًما تصوران‬
    ‫البشر‪ ،‬لأننا لا يمكن أن‬    ‫من إجل التعالي بالسلطان‪.‬‬        ‫متصارعان حول الإنسان‬
                                                                   ‫ودوره في هذا الكون‪،‬‬
     ‫نعزي تغير الوحي مع‬         ‫بيد أن الأهم وما لا يمكن‬       ‫ومحوريته داخل الوحي‪.‬‬
  ‫تعاقب الرسل والرسالات‬           ‫تجاهله هو أنه «إذا كان‬        ‫وارتبط كل تصور منهما‬
                              ‫القصد من التعالي بالقرآن‬          ‫برؤيتة الخاصة للقرآن‪،‬‬
    ‫(وكذلك الشرائع كما في‬          ‫سياس ًّيا ففعل التعالي‬
 ‫قوله تعالي في سورة المائدة‬    ‫نفسه فع ًل معرف ًّيا تحقق‬    ‫«فمن تصوروا القرآن صفة‬
                                ‫عن عبر مسارات تتعلق‬          ‫قديمة لله كانوا مشغولين‬
   ‫آية ‪« ٤٨‬لكل جعلنا منكم‬          ‫بلغة القرآن وتاريخه‬        ‫بتثبيت وضع يكون فيه‬
  ‫شرعة ومنها ًجا» لتغير في‬      ‫وتصور ماهيته وقواعد‬           ‫الإنسان مستل ًبا وعاج ٍزا‪،‬‬
                                 ‫فهمه وقراءته»‪ .‬وتحقق‬            ‫ومن تصوروه خطا ًبا‬
             ‫الذات الإلهية)‪.‬‬    ‫كذلك عن طريق ما يسميه‬           ‫مخلو ًقا يخص الإنسان‬
 ‫‪ -‬خاطب البشر بلغتهم كما‬                                       ‫كانوا مشغولين بتثبيت‬
 ‫في قوله تعالي «وما أرسلنا‬          ‫علي مبروك «الأطلقة»‪،‬‬      ‫وضع يكون فيه الإنسان‬
‫من رسول الا بلسان قومه»‬       ‫بمعني نفي أي بعد تاريخي‬                 ‫فاع ًل في العالم»‪.‬‬
                                                                  ‫ولم تكن قضية وضع‬
    ‫(ابراهيم‪ .)٤ :‬بما يعني‬        ‫للوحي‪ ،‬واعتبار المعاني‬       ‫الإنسان ودوره في الكون‬
    ‫«تحدد الوحي (القرآن‬        ‫والمفاهيم «مطلقة»‪ ،‬مفارقه‬     ‫إشكالية إلا لكونها انعكا ًسا‬
 ‫أي ًضا) بهذا النظام الكامن‬                                          ‫لموقف هذا الإنسان‬
    ‫في اللغة (فاللغة نظام‬           ‫للواقع وثابتة وأزلية‪.‬‬          ‫في مواجهة السلطان‪،‬‬
 ‫كامل للتفكير) وبما يعني‬          ‫ولو تتبعنا مسار تصور‬         ‫«فالسلطان كان حاض ًرا‬
    ‫كونه قائ ًما على الحوار‬      ‫ماهية القرآن في المرويات‬     ‫حضو ًرا جوهر ًّيا في قلب‬
 ‫المفتوح مع تاريخ الناس‬                                       ‫القول في الصفات إلى حد‬
                                    ‫الخاصة بالجيل الأول‬      ‫استحالته إلى أصل يجري‬
         ‫ونظام تفكيرهم»‪.‬‬      ‫للصحابة لاكتشفنا امتلاكهم‬         ‫القياس عليه في تأويل‬
 ‫ونستطيع تبين هذه الرؤية‬                                    ‫بعض الصفات التي يصف‬
 ‫من عدة مواقف مفصلية في‬           ‫تصو ًرا للقرآن باعتباره‬    ‫الله بها نفسه في التنزيل»‪،‬‬
  ‫تراث الصحابة‪ ،‬يذكر علي‬             ‫«واقعة تخص عالم‬               ‫وإلي حد قول الغزالي‬
‫مبروك منها على سبيل المثال‬
  ‫قدرتهم على اختيار اللغة‪/‬‬       ‫الإنسان المفتوح»‪ .‬وهي‬      ‫(‪« )1111 -1058‬إن الحضرة‬
                                 ‫رؤية تتماشي مع طبيعة‬         ‫الإلهية لا تفهم إلا بالتمثيل‬
    ‫اللسان الذي سيكتب به‬                                        ‫إلى الحضرة السلطانية»‪.‬‬
 ‫القرآن الذي كان يتلي بعدة‬                                    ‫وكذلك يظهر هذا الحضور‬
‫ألسن عربية‪ .‬كذلك الروايات‬                                       ‫في القول المأثور «إن الله‬
 ‫حول «التفاوض» أو الجدل‬                                        ‫يزع بالسلطان ما لا يزع‬
                                                                              ‫بالقرآن»‪.‬‬
    ‫الذي دار حول كتابة آية‬                                       ‫وإذن فإن «كلا من الله‬
    ‫الرجم (التي خشي عمر‬                                        ‫والقرآن إنما كان يجري‬
  ‫كتابتها لأن الناس على حد‬                                     ‫استدعاؤهما للدخول في‬
    ‫تعبيره «تتسافد كتسافد‬
   ‫الحمر»)‪ .‬وليس المهم هنا‬
     ‫ان كانت هذه الروايات‬
 ‫صحيحة أم لا‪ ،‬إذ ما يعنينا‬
   ‫هنا أن في تواتر الروايات‬
  ‫وإثباتها في كتب التراث ما‬
   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180