Page 177 - m
P. 177

‫‪175‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫هي الا تصور للواقع بناء‬        ‫القراءات على الجامعين‪ ،‬في‬     ‫خلال رؤية أبي بكر للخلافة‬
    ‫على مثال سابق (الحاق‬        ‫رواية عن عمر‪ ،‬أثناء الجمع‬      ‫كمسؤلية وللحاكم كمسؤول‬
   ‫الفرع بأصله)‪ .‬والتاريخ‬
      ‫تكرار للنماذج المطلقة‬        ‫الأول)‪ ،‬إلى قرآن مكتوب‬       ‫خاضع لمساءلة المحكومين‪،‬‬
                               ‫بلسان قريش (في رواية عن‬         ‫والتي تتبدي في قوله «وليت‬
  ‫خارجه»‪« .‬الوعي في هذا‬
      ‫الإطار يرى الوجود‬           ‫عثمان‪ ،‬في الجمع الثانى)‪.‬‬          ‫عليكم ولست بخيركم‪،‬‬
                                   ‫وأن هذا ساهم في اعتبار‬       ‫فإن احسنت فأطعوني وإن‬
   ‫كظل والحقيقة كتطابق‬             ‫لغة القرآن كلام الله بد ًل‬   ‫أسأت فلا طاعة لي عليكم»‪،‬‬
‫والتاريخ كتكرار والمعرفة‬         ‫من أن تكون لغة الإنسان‪.‬‬
                               ‫ويري مبروك إن هذا التحول‬              ‫لرؤية عثمان للخلافة‬
  ‫كإلحاق واستتباع‪ .‬وكل‬           ‫قد ساعد فيما بعد لاعتبار‬           ‫كتكليف إلهي وللحاكم‬
   ‫ذلك يعكس علاقة أعلى‬              ‫القرآن صفة أزلية‪ ،‬وأن‬          ‫كشخص فوق المساءلة‪،‬‬
    ‫بأدنى حيث الأصل هو‬             ‫حروفه وأصواته قديمة‪،‬‬        ‫والتي تتبدي في قوله «والله‬
‫الأعلى والعقل هو الأدنى»‪.‬‬          ‫وكذلك المعاني والدلالات‬      ‫لا أخلع ثو ًبا سربلنيه الله»‪،‬‬
  ‫هذا النوع من الوعي وهذا‬      ‫أزلية وواحدة (غير متعددة)‪.‬‬         ‫ثم إلى تحول الخلافة إلى‬
   ‫الإطار للمعرفة هو أصل‬       ‫من الناحية الفكرية والثقافية‬         ‫عصبية وامتياز عائلى‪/‬‬
                                   ‫فإن «ما يتفرع عن جعل‬            ‫طائفي و ُم ْل ٌك عضوض‪.‬‬
       ‫الداء الفكري‪ ،‬ويؤكد‬      ‫القرآن هو كلام الله السابق‬        ‫هذا التحول السياسي قد‬
‫مبروك أنه قد حدث «تأبيد‬        ‫(في الأزل) على وقوع المخبر‬           ‫رافقه تحول واضح في‬
‫وتثبيت لمنظومات معرفية‬            ‫عنه (في الزمن) هو تثبيت‬        ‫تعامل المسلمين مع القرآن‬
                                                                  ‫من اعتبار القرآن «واقعة‬
   ‫(فقهية وعقائدية) عبر‬              ‫مفهوم لكل من المعني‬          ‫تخص عالم الإنسان» إلى‬
 ‫أطلقتها وفك روابطها مع‬         ‫والحقيقة يكونان فيه أقرب‬            ‫«كلام الله القديم»‪ .‬هذا‬
                                                                    ‫التحول هو بمعني آخر‬
    ‫التاريخ الذي يحددها‬           ‫إلى المعني الجاهز‪ ،‬فيكون‬        ‫انتقال من القرآن الذي لا‬
  ‫وإضفاء القداسة عليها»‬              ‫عمل الوعي هو مجرد‬            ‫ينطق بلسان ولكن ينطق‬
‫بل وعلي منتجيها من البشر‬                                        ‫به الرجال؛ إلى القرآن الذي‬
   ‫كالشافعي (‪)٨٢٠-٧٦٧‬‬          ‫الارتقاء بالواقع‪ ،‬إلى التطابق‬        ‫ُيرفع على أسنة الرماح‬
 ‫والأشعري (‪،)٩٣٦ -٨٧٤‬‬            ‫مع مثاله الذهني القائم في‬        ‫ليحسم معركة سياسية‪،‬‬
  ‫المتماثلين فكر ًّيا عن طريق‬     ‫الأزل‪ ،‬أو «مطابقة ما في‬            ‫ومن القرآن الذي كان‬
                                                                 ‫مركزه الإنسان إلى القرآن‬
     ‫كثير من الروايات التي‬      ‫الأعيان على مافي الأذهان»‬          ‫الذي استثمره واحتكره‬
 ‫ت َّدعي اتصالهما بالنبي عن‬         ‫(المقصود هنا ذهن الله‬
                                                                                ‫السلطان‪.‬‬
   ‫طريق الرؤي والنبوءات‪.‬‬          ‫طب ًعا)‪ .‬وأفدح نتيجة لذلك‬      ‫ويري مبروك خ ًّطا مواز ًيا‬
       ‫كذلك نجد أن أسماء‬       ‫هي التعالي بالمعرفة البشرية‬       ‫آخر لا يخلو هو الآخر من‬

    ‫الفرق الإسلامية الأولي‬        ‫إلى حد تصبح فيه طبيعة‬            ‫أهمية ودلالة‪ ،‬وذلك هو‬
   ‫(خوارج‪ ،‬شيعة‪ ،‬معتزلة)‬           ‫إلهية (لادعائها الإمساك‬       ‫الانتقال بالقرآن من كونه‬
  ‫تنتسب إلى وقائع تاريخية‬           ‫بما في ذهن الله)‪ .‬وهذا‬      ‫مكتو ًبا للمسلمين على تعدد‬
‫وسياسية‪ ،‬في حين انتسبت‬            ‫التأليه للمعرفة الإنسانية‬    ‫قبائلهم بألسن متعددة (قبل‬
  ‫الفرق المتأخرة لأشخاص‬            ‫هو ما يقف وراء عمليات‬          ‫الجمع)‪ ،‬إلى قرآن مكتوب‬
‫(أشعرية‪ ،‬ماتريدية) لإسباغ‬
    ‫القداسة على الأشخاص‬              ‫الإقصاء والهيمنة التي‬          ‫بلغة مضر (إن التبست‬
                                  ‫سادت وهيمنت على تراث‬
             ‫والطائفة م ًعا‪.‬‬
  ‫ويري مبروك قد ًرا كاش ًفا‬                     ‫المسلمين»‪.‬‬
 ‫من التعالي ونوازع التسلط‬         ‫«المعرفة في هذا الإطار ما‬
   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182