Page 179 - m
P. 179

‫‪177‬‬

‫نصر حامد أبو زيد‬              ‫علي مبروك‬                            ‫المبدأ التأسيسي الخاص‬
                                                                        ‫بالحرية الإنسانية‪.‬‬
 ‫النبي يؤذن بعدم القابلية‬     ‫لحظة الخلق الأولى نفى فيها‬
‫لتجاوزه تنزي ًل فإنه يفتح‬      ‫القرآن حصول التمييز‪ ،‬كما‬        ‫يمكننا إ ًذا أن نرى من خلال‬
                                                                ‫هذه النظرة أن توتر القرآن‬
   ‫الباب لتجاوزه تأويلا»‪.‬‬        ‫في قوله تعالي «ومن آياته‬      ‫ليس إلا عر ًضا لعجز الفقهاء‬
  ‫فالقابلية للتجاوز لا تفارق‬    ‫أن خلقكم من تراب ثم إذا‬         ‫المتأخرين عن رؤية المبادئ‬
‫الوحي لأنها جزء من طبيعته‬     ‫انتم بشر تنشرون» (الروم‪:‬‬
                                                                   ‫التأسيسية القائمة وراء‬
     ‫«ولن يمكننا فعل ذلك‬          ‫‪ .)٢٠‬هذا النفي القرآني‬                 ‫الحدود الإجرائية‪.‬‬
  ‫بدون تحرير الله والقرآن‬         ‫للتمييز في لحظتي الخلق‬
 ‫من قبضة السلطان وبناء‬         ‫والمعاد ينتفي معه أن يكون‬         ‫ويري مبروك في استخدام‬
                                                               ‫نظرية تحليل الخطاب وسيلة‬
    ‫خطاب للأنسنة»‪ .‬وهو‬               ‫التمييز قص ًدا إلهيًّا»‪.‬‬
 ‫خطاب سيظل متجد ًدا دائ ًما‬      ‫الفكرة الأساسية عند علي‬            ‫للتمييز بين التأسيسي‬
                               ‫مبروك هي أن أهم محددات‬            ‫والإجرائي‪ ،‬ويضرب لذلك‬
      ‫لأنه «يستحيل القول‬                                       ‫مث ًل بالخطاب القرآني حول‬
      ‫بأن معرف ًة ما قادرة‬         ‫الإجرائي في القرآن هو‬
      ‫على استنفاذ القرآن»‪.‬‬    ‫قابليته للتجاوز‪ .‬بل إنه يقول‬         ‫الإنسان‪« :‬خطاب القرآن‬
       ‫أما «تثبيت الأحكام‬                                         ‫عن الإنسان في الدنيا يقر‬
    ‫والتحديدات الإجرائية‬           ‫إن القابلية للتجاوز هي‬        ‫بكل أشكال التمييز بسبب‬
    ‫باعتبارها ذات طبيعة‬         ‫أحد صفات المنطق الحاكم‬             ‫والعرق والدين (دون أن‬
   ‫نهائية ومطلقة فسيقف‬          ‫لظاهرة الوحي بشكل عام‪.‬‬          ‫يعني ذلك تثبيتًا لها) بل هو‬
      ‫عائ ًقا ليس فقط أمام‬                                       ‫يقر بها كجزء من واقع لا‬
 ‫تحقيق القصد التأسيسي‬             ‫فالوحي ظاهرة تاريخية‬            ‫يقدر على القفز فوقه وإن‬
     ‫بل أمام مسار التطور‬         ‫اكتملت على مدى تاريخي‬            ‫كان يسعي لخلخلته‪ ،‬كما‬
                                 ‫طويل عبر لحظات شتي‪،‬‬              ‫في قوله تعالي (وهو الذي‬
                ‫الإنساني»‬                                       ‫جعلكم خلئف الأرض ورفع‬
                                   ‫ترتبط كل وحدة بلحظة‬          ‫بعضكم فوق بعض درجات‬
                                 ‫تجليها‪ .‬ويرى مبروك أنه‬        ‫ليبلوكم في مآءاتاكم إن ربك‬
                              ‫«إذا كان اكتمال الوحي مع‬            ‫سريع العقاب وإنه لغفور‬
                                                                 ‫رحيم» (الأنعام‪ .)١٦٥ :‬في‬
                                                                 ‫حين أن خطاب القرآن عن‬
                                                               ‫الإنسان في الآخرة يرفع كل‬
                                                               ‫أشكال التمييز التي تفرضها‬
                                                                  ‫ضرورات الوقت ودواعي‬
                                                                ‫التطور وهناك وحدة جزاء‪،‬‬
                                                                ‫كما في قوله تعالي «من آمن‬
                                                                  ‫بالله واليوم الآخر وعمل‬
                                                                   ‫صال ًحا فلهم أجرهم عند‬
                                                               ‫ربهم»‪( .‬البقرة‪ ،)٦٢ :‬وحيث‬
                                                                  ‫أن الدنيا دار عبور للخالد‬
                                                               ‫فلا بد أن ينضبط العابر على‬
                                                                ‫الخالد وليس العكس‪ .‬كذلك‬
   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184