Page 178 - m
P. 178

‫العـدد ‪56‬‬                          ‫‪176‬‬

                               ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬                        ‫والهيمنة في تعريف علم‬
                                                                   ‫الكلام (أصول الدين)‬
‫داخل في تركيبها‪ ،‬ويقرر أن‬       ‫عقل البدعة المذموم كما قال‬            ‫بحسب ابن خلدون‬
‫التأسيسي «لا يقتصر على‬             ‫الشاطبي (توفي ‪.)١٣٨٨‬‬
                                  ‫والإختلاف ‪-‬أ ًّيا ما كان‪-‬‬   ‫(‪ )١٤٠٦ -١٣٣٢‬الأشعري‬
  ‫ما هو أخلاقي بل يتسع‬                                           ‫المذهب فهو يعرفه بأنه‪:‬‬
‫لمفهوم المصلحة الإنسانية‬          ‫مكروه لأنه تفرق والتعدد‬
                                   ‫تشرذم (وعادة ما يشار‬         ‫«علم يتضمن الحجاج عن‬
  ‫كمبدأ عام»‪ .‬نستشعر في‬                                          ‫العقائد الإيمانية بالأدلة‬
 ‫كلام علي مبروك عن الشق‬              ‫في هذا المقام للروايات‬
                                  ‫المتعددة لحديث «ستتفرق‬        ‫العقلية والرد على المبتدعة‬
   ‫التأسيسي وثباته وكونه‬          ‫أمتي على ‪ ٧٣‬شعبة كلهم‬      ‫المنحرفين في الاعتقادات عن‬
    ‫غاية عليا‪ ،‬صدى لمفهوم‬          ‫في النار إلا واحدة» الذي‬  ‫مذاهب السلف وأهل السنة»‪.‬‬
‫المقاصد الكلية لا كما قررها‬                                  ‫فبخلاف ان التعريف يصف‬
    ‫الشاطبي أو الغزالي‪ ،‬بل‬          ‫رواه ابو داود والحاكم‬
‫بمفهوم أشمل وأحدث أقرب‬          ‫وصححه وحسنه ابن حجر‬              ‫كافة المغايرين بالابتداع‬
 ‫لمفهوم نصر حامد أبو زيد‬                                      ‫والانحراف فهو يوضح أن‬
 ‫الذي أوضحه في مقاله عن‬           ‫في تخريج الكاشف‪ ،‬وابن‬
 ‫المقاصد في تسعينات القرن‬         ‫تيمية في مجموع الفتاوي‬         ‫«المحاججة قد تبلورت‬
                                  ‫والشاطبي في الاعتصام)‪.‬‬         ‫من الصراع في الإسلام‬
                  ‫الماضي‪.‬‬      ‫النتيجة النهائية لكل ما سبق‬    ‫(من فرق إسلامية أخرى)‬
‫مبروك يري إمكانية حدوث‬             ‫من المفاهيم والأفكار هي‬       ‫وليس من الصراع مع‬
                               ‫الانتقاص من فاعلية وحيوية‬     ‫الإسلام (من أديان وعقائد‬
  ‫توتر بين المبدأ التأسيسي‬       ‫القرآن وأن يكون الإقصاء‬
    ‫وبين التحديد الإجرائي‬          ‫ح ًّل لكل خلاف أو توتر‬           ‫من خارجه)‪ ،‬وكون‬
      ‫الذي يتحدد هذا المبدأ‬                                      ‫أن السياسة متبدية في‬
    ‫من خلاله في واقع بشر‬                           ‫معرفي‪.‬‬        ‫الإمامة وما تفرع عنها‬
    ‫بعينهم‪ .‬بل يذهب لأبعد‬                                      ‫من مواضيع ذات حمولة‬
                                ‫المقاصد التأسيسية‬             ‫سياسية زاعقة كانت هي‬
 ‫من ذلك حين يقرر أنه «قد‬         ‫وتحليل الخطاب‬                   ‫الإطار الذي تبلور فيه‬
‫يتحول الإجرائي إلى عائق‬          ‫داخل القرآن الحي‬                ‫العلم بأسره‪ ،‬ما يعني‬

  ‫يحول دون تحقيق المبدأ‬              ‫يري مبروك أن القرآن‬            ‫أن المحاججة تخفي‬
 ‫التأسيسي المتجاوز الذي‬         ‫يتميز بكونه «ساحة التقاء‬     ‫موضوعها الجوهري وهي‬
                                ‫بين التاريخي بتجديداته‬
    ‫يقف وراءه»‪ ،‬ويتصور‬                                           ‫مواقف السياسة خلف‬
    ‫أن وجود النسخ ما هو‬           ‫الجزئية وبين المتجاوز‬            ‫قناع عقائد الإيمان»‪.‬‬
    ‫إلا تأكيد لهذه الحقيقة‪.‬‬       ‫بشموله وكليته» أو بين‬              ‫والمآل النهائي الذي‬
     ‫لذا يري مبروك ‪-‬لدرء‬         ‫«الإجرائى» و»التأسيسى»‬            ‫تؤدي إليه تلك الأفكار‬
‫التوتر‪ -‬ضرورة أن تنضبط‬
    ‫الحدود الإجرائية بالمبدأ‬                 ‫على حد قوله‪.‬‬       ‫هو «التصور السلطوي‬
  ‫التأسيسي‪ ،‬وهو ما أدركه‬            ‫غير أن مبروك يؤكد أن‬      ‫للدلالة وأن يكون احتكار‬
‫عمر بن الخطاب حينما عطل‬                                        ‫الدلالة هو القناع المعرفى‬
 ‫العمل بسهم المؤلفة قلوبهم‬            ‫العلاقة بين الإجرائي‬    ‫‪-‬في الثقافة‪ -‬الذي يغطي‬
 ‫مث ًل‪ ،‬وما يمكن أن نرى له‬     ‫والتأسيسي في القرآن ليست‬
   ‫نموذ ًجا آخر في موضوع‬       ‫ثنائية تنفي إحداهما الأخرى‬        ‫على احتكار السلطة في‬
‫الرق والآراء الفقهية المتعلقه‬                                                ‫السياسة»‪.‬‬
     ‫به‪ ،‬والتي لا يسعنا إلا‬          ‫بقدر ما تتعلق بحقيقة‬
  ‫تعليقها وتجميدها لصالح‬           ‫واحدة يكون التأسيسي‬          ‫في هذا الإطار يعتبر عقل‬
                                    ‫هو جوهرها والإجرائي‬         ‫التفكير خارج الأصل هو‬
   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183