Page 23 - m
P. 23
21 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
«إن الخطاب الكهنوتي
للحداثة العربية يتخذ من
الغرب إطا ًرا مرجعيًّا»(.)3
ويرى أدونيس “أن
الحداثة في المجتمع العربي
لا تزال شيئًا مجلو ًبا من
الخارج ،إنها حداثة تتبنى
الشيء المحدث ولا تتبنى
العقل أو المنهج الذي
أحدثه ،فالحداثة استعارة
من الآخر الأجنبي ،شأنه
شأن الكلمات أو أشياء
أخرى كثيرة»(.)4
فالحداثة في نظرهم ليست
ظاهرة عربية الأصل ،بل
أُنسي الحاج أسكار وايلد أدونيس مرتبطة أسا ًسا بالحضارة
الغربية وبسياقاتها
اليومية كما عند أبي نواس ،وإلى الخلق لا على المثال التاريخية إنها؛ تعني
والنموذج خارج التقليد وتكرار كل ما هو موروث
التغيير والتجديد ،الذي جاء نتيجة التلاقح الثقافي
عند أبي تمام»(.)6
في حين يذهب عبد العزيز إبراهيم إلى أبعد من بين الغرب والعرب ،وانبهار هذا الأخير بالمنجزات
ذلك؛ بحيث يرى أن جذور الحداثة العربية كامنة
في النص القرآني من حيث إن الشعرية الشفوية الغربية التي شهدها عصر النهضة الأوروبي ،على
الجاهلية تمثل القديم الشعري ،وإن الدراسات
القرآنية وضعت أس ًسا نقدية جديدة لدراسة اعتبار أن توا ُجد «الشعراء العرب في الجامعات
النص ..ومثلت تلك في الوقت نفسه حداثة عصرها الأمريكية والبريطانية فرصة للاطلاع على نتاج
حفظها لنا التراث»(.)7 شعراء الحداثة ونقادها ،ومنهم إليوت ومدرسته
يتفق رواد هذا الاتجاه على أنه لا وجود لحداثة
بدون تاريخ ،فالفكر العربي شهد حداثات متعددة، وتعايشوا جنبًا على جنب مع أولئك الشعراء
بد ًءا من نزول القرآن الكريم الذي استطاع أن والنقاد ،وتابعوا عن قرب الاتجاهات الشعرية التي
يغير طريقة العرب في التفكير ،كما تغيرت معها
كانت تموج بها الساحة هناك ،وتفهموا جي ًدا الصلة
لغة التعبير الشعري .ولما جاء العصر الأموي القوية التي تربط بين الشعر ممث ًل بالإنسان»(.)5
والعباسي شهد حداثة عربية كبيرة؛ إذ أعيد تركيب
البنى السياسية ،والفكرية ،والفنية .تم فيها تحرير أما بالنسبة إلى الاتجاه الآخر الذي يرجع إرهاصات
الشعر من قيوده ،ومن تعريفاته ونظرياته وأطره الحداثة العربية إلى التراث العربي ،نجد أدونيس
المثبتة ،وتولدت الحداثة التي تدعو إلى إحداث
الذي يتراجع عن قوله في أن الحداثة العربية شيئ
نمط مستحدث مرتبط بالحياة اليومية المعاصرة
في الممارسة الشعرية ،يتجاوز الأشكال الشعرية مجلوب من الخارج ،ويؤكد أن بوادرها ترجع إلى
«الصراع القائم بين نظام السلفية والرغبة العاملة
لتغيير هذا النظام .وقد تأسس هذا الصراع في
أثناء العهدين الأموي والعباسي ،حيث نرى تيارين
للحداثة :الأول سياسي فكري؛ يتمثل من جهة
في الحركات الثورية ضد النظام القائم ،بد ًءا من
الخوارج وانتها ًء بثورة الزنج مرو ًرا بالقرامطة..
أما التيار الثاني :فني يهدف إلى الارتباط بالحياة