Page 27 - m
P. 27
25 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
النثري .وبهذا أدخلوا النثر
في الشعر للتعبير عن
هواجسهم وواقعهم دون
قوانين تحدد طريقة هذا
التعبير الإبداعي.
ارتبطت قصيدة النثر
بتجليات ما بعد الحداثة،
التي نادت بالرفض
والتمرد والبحث عن واقع
آخر يهتم بالأنا الفردية،
التي تبدت جزئياتها في
قصيدة النثر؛ بتركيزها
على الواقع المعيش للذات
في أشواقها الحقيقية
الخاصة بها ،مثبتة أن كل
محمد برادة غالي شكري شوقي أبو شقرا شيء في الحياة صالح
أن يكون مادة شعرية
حية .وبهذا تمكنت أن تشق
ُمؤسسة خطابها الشعري الحقيقي الخاص شك ًل طريقها الخاص وأن تشكل فضا ًء شعر ًّيا نثر ًّيا
ومضمو ًنا ،مستغلة في خدمتها كل الإمكانات المتاحة يعتمد على التجربة بتحولاتها الجياشة الحرة.
في الأشكال الأدبية الأخرى؛ فهي لا تعرف الحدود
بين الأجناس بحيث تناهض الشكل المنتهي ،وتدعو فكان أن قامت بفصل الشعر عن النظم وحررته
إلى الشكل المفتوح .وبهذا استطاعت قصيدة النثر ليعبر بكل حرية عن مكامن الذات ،وألغت تبعية
أن تشكل معالم مشهدها الخاص وشكلها الجديد
إيقاع التجربة لإيقاع العروض ،كما تخلصت من
وملامحها الجمالية.
من هنا نستنتج أن مرحلة ما بعد الحداثة وتجلياتها الرؤى القائمة عامة ،وركزت على خصوصية النبرة
في قصيدة النثر تشكل علامة فارقة في حياة الشعر؛
ذلك أن التحولات التي شهدها المشهد الاقتصادي، الشعرية والأداء المرتبط بتفاصيل الواقع ،فاستبدلت
والاجتماعي ،والسياسي ،والثقافي في العالم من بالذاكرة المعرفية الذاكرة البصرية ،التي ترى ما
علاقات معقدة ومتداخلة فيما بينها ،ومنجم من
نعيشه وتصوره في ذاته وحضوره المحسوس
التناقضات والمتنافرات ،وخلاصة لمشاحنات
ومعارك فنية أدبية؛ أدت إلى بروز شكل شعري الحي .بحيث يبدأ الشاعر ما بعد الحداثي بما يملكه
جديد سمي «قصيدة النثر» باعتباره نتا ًجا لإلغاء
الحدود بين الأجناس الأدبية شعر /نثر ،متجهة ويعاينه ،ويلمسه ويحيط به ويحياه بتفاصيله
نحو التميز بشكلها ولغتها التي استطاعت كسر
الحواجز النوعية ليصبح مألو ًفا أن تحل الشعرية المتعددة الدقيقة ،عوض الهروب من الواقع المرير
في نصوص نثرية ،وأن تحل النثرية في نصوص
وإحباطاته وانكساراته إلى آفاق تخييلية ومعرفية
شعرية
بعيدة عن الواقع المحسوس.
لقد سعت قصيدة النثر إلى المواجهة في إطار التحرر
الإنساني ،المقترن بالتحرر الشعري من شتى
المفاهيم والقواعد اللغوية ،والمحددات الشعرية في
خطاب شعري نثري حر ،تتجسد فيه حرية الذات
الإنسانية عامة.
كما استثمرت السرد الشعري الذي يتيح لها
التعبير بكل حرية مطلقة بطاقاته غير المحدودة،