Page 25 - m
P. 25
23 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
شعر الحداثة ،الذي ركز
على الكليات والمجردات،
فحين جاء شعر ما
بعد الحداثة -في إطار
قصيدة النثر -مرك ًزا
على الجزئيات والتفاصيل
اليومية المعيشة والأشياء
المحسوسة في وجودها
الحقيقي الحي ،وهو ما
مثل صعود التصوير
والتعبير بالذاكرة البصرية
في مقابل الذاكرة الذهنية.
لقد ارتبط شعر ما بعد
الحداثة بالتحولات
الاجتماعية والاقتصادية
سوزان برنار جيمس رايت ت .س .إليوت التي شهدها العالم؛ قوامها
النزعة الاستهلاكية
أما في العالم العربي فقد ارتبط ظهور قصيدة النثر وصناعة الثقافة وتسليعها،
بمجلة (شعر) اللبنانية سنة ،1957فقد ُس ِّجل
فما بعد الحداثة «تأخذ ذوبان الفن في الاجتماعية
«أن أول اهتمام ج ِّدي بالشعر المنثور كان اهتمام
مجلة «شعر» ،التي طبعت لواحد من جماعتها هو ورفض التقاليد ..وإحلال النظام الاقتصادي الجديد
أنسي الحاج ،ثم تبعه شوقي أبو شقرا ،ويوسف
الخال وآخرون .ولكن الملاحظ أن تسمية الشعر وهو ما يشار إليه مجاز ًّيا بالتحديث ومجتمع
الاستهلاك ومجتمع وسائل الإعلام أو الرأسمالية
المنثور لم تصبح (قصيدة نثر) إلا بعد اكتشاف
أدونيس كتا ًبا فرنسيًّا ،عنوانه (قصيدة النثر من متعددة الجنسيات .هذه اللحظة يمكن إرجاعها إلى
بودلير حتى الوقت الراهن) لكاتبته سوزان برنار.
وقد صدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب عام 1959 ازدهار ما بعد الحرب في الولايات المتحدة الأمريكية
بباريس .وبعد شهور من صدوره كتب أدونيس
في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات ،ثم
مقا ًل عنوانه (في قصيدة النثر) نشره في مجلة
(شعر) شتاء عام ،1960فكان أول من أطلق على حقبة الستينيات التي كانت بطرق عديدة حقبة
هذا النوع من الكتابة تسمية (قصيدة) كما فعلت
سوزان برنار ،ولم يكتف بذلك فقد نشر قصيدة انتقالية أساسية وفترة شهدت بزوغ النظام العالمي
نثر عنوانها (مرثية القرن الأول) في العدد نفسه من
مجلة (شعر) فبدت مقالته وكأنها مقدمة لقصيدة الجديد»(.)9
نثرية»(.)10 يتضح مما سبق أن مصطلح «ما بعد الحداثة»
يقول أدونيس في قصيدته «مرثية القرن الأول»:
ذاهل تحت شاشة النبوءة ،مأخوذ بعين الحرباء- ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية للدلالة على
يا رجل! قل لنا آية تأتي.. التحول الذي أصبح عليه المجتمع الغربي اجتماعيًّا،
واقتصاد ًّيا ،وثقافيًّا بعد نهاية الحرب العالمية
الثانية؛ أي مرحلة الأربعينيات والخمسينيات،
لينتقل المصطلح بعد ذلك إلى ميدان الأدب المتجلي
في «قصيدة النثر» ،وهو ترجمة للمصطلح
الفرنسي ( )poème en proseمع ألوسيوس
برتراند ،وشارل بودلير ،ورامبو ،ومالارميه في
فرنسا ،وجيمس رايت في أمريكا ،وأسكار وايلد في
بريطانيا.