Page 24 - m
P. 24
العـدد 56 22
أغسطس ٢٠٢3
يشكل حديثًا ها ًّما ،والذي تجلت بوادره في الشعر التقليدية ورموزها القديمة مع أبي نواس الذي يعد
عند أبي نواس وأبي تمام وغيرهما من الشعراء، أول من هدم نظام القصيدة القديم ،وأطاح بالمقدمة
الذين ثاروا على نظام القصيدة العربية ومقدمتها
الطللية ،واض ًعا بدلها المقدمة الخمرية .وبعد ذلك
الطللية والغزلية ،وصو ًل إلى ثورة الفلاسفة تأتي حداثة أبي تمام التي تعتمد على الخلق لا على
والتيارات الدينية المختلفة مع الأشاعرة والمعتزلة
والصوفية وغيرهم .كل ذلك ش ًّكل بدايات حقيقية المثال؛ خلق عالم آخر يتجاوز الواقع.
للحداثة العربية التي تسعى إلى مواكبة مستجدات وهكذا اتخذت «الحداثة عند أبي تمام بع ًدا آخر هو
ما يمكن أن نسميه بعد الخلق لأعلى مثال ،فهو لم
العصر الراهن. يهدف إلى المطابقة بين الحياة والشعر ،بل هدف إلى
خلق عالم آخر يتجاوز العالم الواقعي .لقد اشتركا
تجليات ما بعد الحداثة في القصيدة
العربية المعاصرة في رفض تقليد القديم ،لكن كل منهما سلك في
إبداعه مسل ًكا خا ًّصا»(.)8
تعد الحداثة في الشعر العربي المعاصر إبدا ًعا
وخرو ًجا به عن المألوف ،ومناهضة للنموذج الذي انطلا ًقا مما سبق نستنتج اختلاف المواقف
كان متب ًعا في القصيدة العربية التقليدية .فالحداثة وتشعب الآراء حول ماهية الحداثة العربية؛ بحيث
الشعرية تغيير جذري في بناء النص الشعري نجد اتجا ًها يرجع منبعها إلى اطلاع العرب على
وتركيبه من ناحيتي الشكل والمضمون ،ليعبر عن المستجدات الثقافية الغربية ،سواء عن طريق ترجمة
روح العصر وحاجات المجتمع بأبعاده ،وأحداثه،
الشعر والفلسفة أو الكتب الفكرية ،أو الدراسة
وقضاياه الكلية تعبي ًرا حضار ًّيا يعكس تغلغل التي شكلت راف ًدا قو ًّيا ،وفاع ًل وعنص ًرا مه ًّما في
الشاعر في عصره ،وارتباطه بالحياة من حوله تجسيد القضايا الاجتماعية والسياسية لدى الشاعر
ارتبا ًطا عضو ًّيا جوهر ًّيا ،ليكشف أسرارها ويظهر العربي .الذي خرج عن المألوف في شعره ووجهة
تناقضاتها ،وينفذ إلى ما وراء واقع الحياة لرؤية نظره إلى الشعر الغربي وحداثيته ،التي وجد فيها
ملامح الأمل والخلاص. إجابات عن تساؤلاته.
في حين ارتبط الفن ما بعد الحداثي بالتجربة وبهذا أصبح الشاعر الحداثي يعبر تعبي ًرا جدي ًدا عن
اليومية المتمثلة في شعر ما بعد الحداثة في مقابل واقعه وهمومه اليومية التي تختلف اختلا ًفا جذر ًّيا
عن الشاعر القديم ،وتوسل بهذه المفاهيم الحداثية
إلى الكشف عن مكنوناته الداخلية الباطنية .إلا أن
هذا التأثر لم يسلب الشعر العربي من مكوناته
الثقافية الأصلية أو الانصهار تما ًما مع
الأدب الغربي بكل معطياته ،وإنما جاء هذا
التأثير تطعي ًما للشعر العربي.
أما الاتجاه الآخر فيخرج للحداثة العربية
إرهاصات من التراث العربي بداية من
عصر الإسلام ونزول القرآن الكريم ،الذي
غير الحياة العربية من كل نواحيها ،ثم مع
عصر بني أمية ومحاولات التجديد الذي
قام بها العديد من الشعراء والفلاسفة.
واكتملت حركة الحداثة في عصر بن العباس
مع توسع الدولة وتمازج الثقافات العربية
الإسلامية باليهودية والمسيحية.
فكان التنافس الفكري في التجديد والتغيير