Page 19 - m
P. 19
افتتاحية 1 7
رجل فيكلمه ،والرجل يكون على صورة قال :ما هن؟ ”..إلخ الحديث .وفي (الإسلام
الصحابي دحية الكلبي (30ق.هـ50 -هـ)، سؤال وجواب) لمحمد صالح المنجد يقول
وهو صحابي من بني كلب في دومة الجندل،
عنه« :وهذا الحديث قد اختلف أهل العلم في
من السابقين الأولين للإسلام ،وقد هاجر صحته اختلا ًفا كبي ًرا ،حيث إنه يروى من
إلى المدينة وشهد أُ ُح ًدا وما بعدها ،ويروى عدة طرق كما تقدم ،ولا يخلو طريق منها
“عن عائشة رضي الله عنها ،قالت :لما رجع من خلاف على رواته ،وضعف في نقلته،
النبي يوم الخندق بينا هو عندي إذ دق الباب مما جعل أكثر أهل العلم يحكم بضعفه
فارتاع لذلك رسول الله ووثب وثبة منكرة واضطرابه”.
وخرج ،فخرجت في أثره ،فإذا رجل على (لاحظ هنا أي ًضا أن النبي يقول إن لله أنامل،
دابة والنبي متكئ على معرفة الدابة يكلمه، وإنها تبرد أو تش ُّع بر ًدا)!
فرجعت ،فلما دخل قلت :من ذلك الرجل الذي
كنت تكلمه؟ قال :ورأيتيه؟ قلت :نعم .قال: إذا استبعدنا طريقة الاتصال المباشر بين الله
بمن تشبهينه؟ قلت :بدحية بن خليفة الكلبي، والنبي ،نظ ًرا للضعف الذي أشرت إليه ،ولأن
قال :ذاك جبريل أمرني أن أمضى إلى بني
الحديث الذي ذكرته -والذي يتكرر في أكثر
قريظة”(.)12 من مصدر بأكثر من را ٍو -لم يذكر أن الله
من الحديث نفسه لا أستوعب لماذا تسأل أملى على محمد قرآنا -كما أملى على موسى
وقومه أسفا ًرا ،-وإذا استبعدنا الرابعة التي
السيدة عائشة عمن يكون الرجل وهي هي الرؤى ،وف َّصل ُت ذلك ،فإنه تتبقى ثلاثة
تعرف أنه دحية ،أو ُشبِّه لها ،خاصة أن بقية طرق للوحي :صلصلة الجرس ،نفث الكلام
الأحاديث التي تتحدث عن ظهور جبريل في الروع ،والرجل يكلمه.
على صورته؛ تؤكد أن الصحابة يكونون الطريقتان الأولى والثانية إيحائيتان ،بمعنى
متأكدين من أنه دحية حتى يقول لهم النبي أن النبي يستشعر أنه ممتلئ بكلام يريد أن
إنه جبريل .ومن ذلك ما ذكره ابن هشام في
السيرة النبوية (ج ،3ص« :)716ومر رسول يخرجه دون أن يرى من يمليه ودون أن
الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه يسمع صو ًتا أي ًضا ،فينطق به ويكتبه الكتبة،
بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة، وآلية الكتابة غير معروفة على وجه اليقين إن
فقال :هل مر بكم أحد؟ قالوا :يا رسول الله، كانت تتم في لحظة النطق بالكلام أم بعدها،
قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي ،على بغلة
بيضاء عليها رحالة ،عليها قطيفة ديباج .فقال فالتسجيل في ذات اللحظة يستوجب ألا
رسول الله (ص) :ذلك جبريلُ ،ب ِع َث إلى بني ينزل الوحي على النبي إلا في وجود الكتبة،
قريظة يزلزل بهم حصونهم ،ويقذف الرعب وإن كانت الكتابة مؤجلة فيستلزم الأمر أن
يظل النبي حاف ًظا ما تن َّزل عليه حتى يقابل
في قلوبهم”. الكاتب ،فلو أن غير المسلمين يتشككون في
ومنه ما رواه النسائي عن السيدة عائشة نبوة النبي ،فهل سيزعزع شكهم أن نقول
نفسها« :يا رسول الله ما بالك تطيل الوقوف لهم إن النبي (يستشعر كلا ًما) فيقوله دون
أن يحدد مصد ًرا لهذا الكلام؟ أم إنه سيزيد
مع دحية الكلبي؟ وما بالك تأذن له في
كل وقت ولا تحجبه ولا تمنعه في أي وقت شكوكهم؟!
يدخل؟ ( )...فقال النبي :أو رأيتيه؟ قالت:
نعم يا رسول الله ،غير أني رأيت منه عجبًا دحية الكلبي
اليوم؟ قال :وما ذاك يا عائشة؟ فقالت :كان
يلبس بر ًدا أبي َض ،ووشا ًحا أبي َض ،ونع ًل الطريقة الثالثة التي ذكرها النبي في طريقة
تلقي القرآن أن يأتيه (الوحي) في صورة