Page 15 - m
P. 15

‫افتتاحية ‪1 3‬‬

  ‫من الجبل سمعت صو ًتا من السماء يقول‪:‬‬             ‫فحمي الوحي وتتابع‪( .‬صحيح البخاري‪،‬‬
  ‫يا محمد‪ ،‬أنت رسول الله وأنا (جبريل)‪،‬‬           ‫الصفحة أو الرقم‪ .4 :‬أخرجه مسلم (‪)161‬‬
   ‫قال‪ :‬فرفعت رأسي إلى السماء أنظر‪ ،‬فإذا‬
   ‫(جبريل) في صورة رجل صا ٍف قدميه في‬                                   ‫باختلاف يسير)‪.‬‬
 ‫أفق السماء يقول‪ :‬يا محمد‪ ،‬أنت رسول الله‬       ‫من الحديثين نستنتج أن (جبريل) أتى النبي‬
   ‫وأنا (جبريل)‪ .‬قال‪ :‬فوقفت أنظر إليه فما‬       ‫في صورة إنسان ‪-‬أو بصورته الحقيقية‪ ،‬لن‬
‫أتقدم وما أتأخر‪ ،‬وجعلت أصرف وجهي عنه‬
                                                  ‫أتوقف أمام هذه التفصيلة‪ -‬وأملاه الآيات‬
                     ‫في آفاق السماء‪.”... ،‬‬        ‫الخمس الأولى من سورة القلم لتكون أول‬
     ‫هذه السردية تقول إن (جبريل) لم يأت‬            ‫الوحي‪ ،‬وأول ما نزل من القرآن بالطبع‪،‬‬
 ‫للنبي في الحقيقة وإنما جاءه في المنام‪ ،‬وهو‬       ‫وأن النبي وهو عائد رأي (جبريل) جال ًسا‬
   ‫ما يدحض الرواية الأولى‪ ،‬ليس ذلك فقط‪،‬‬          ‫على كرسي بين السماء والأرض‪ ،‬على نفس‬
   ‫بل يقول إن (جبريل) ظهر له بعد ذلك في‬            ‫صورته التي أتاه بها‪ ،‬فارتعب منه‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫صورة رجل (قدماه في أفق السماء) وأخبرة‬             ‫لكن هناك سردية أخرى مختلفة وردت في‬
     ‫صراحة أنه رسول الله وأن محدثه هو‬             ‫(السيرة النبوية‪ ،‬لابن هشام الحميري‪ ،‬ط‬
 ‫(جبريل)‪ .‬وبالتالي فالسردية التي تقول إنه‬
‫عاد للبيت خائ ًفا وقال زملوني زملوني‪ ،‬وأن‬           ‫دار المعرفة نويسنده مجلد ‪ ،1‬ص‪-236‬‬
 ‫السيدة خديجة طمأنته وذهبت به إلى ورقة‬            ‫‪ ،)237‬يقول‪“ :‬خرج رسول الله (ص) إلى‬
‫فأخبره أنه نبي الله‪ ..‬إلخ‪ ،‬هذه السردية غير‬      ‫حراء‪ ،)...( ،‬قال رسول الله (ص)‪ :‬فجاءني‬
 ‫معقولة ولم تحدث أص ًل‪ ،‬لأن النبي لم يكن‬           ‫(جبريل)‪ ،‬وأنا نائم‪ ،‬بنمط من ديباج فيه‬
  ‫محتا ًجا لنبوءة ورقة ولا غيره‪ ،‬فقد أخبره‬         ‫كتاب‪ ،‬فقال اقرأ‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ما أقرأ؟ قال‪:‬‬
‫(جبريل) بنبوته بشكل واضح وصريح‪ ،‬ولم‬              ‫فغتني به حتى ظننت أنه الموت‪ ،‬ثم أرسلني‬
   ‫يكن خائ ًفا من الأساس ليقول «زملوني»‪،‬‬          ‫فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ما أقرأ؟ قال‪ :‬فغتني‬
   ‫فابن هشام يذكر أن النبي ظل واقفا ثابتًا‬       ‫به حتى ظننت أنه الموت‪ ،‬ثم أرسلني‪ ،‬فقال‪:‬‬
    ‫مكانه‪« :‬قال‪ :‬فوقفت أنظر إليه فما أتقدم‬         ‫اقرأ‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ماذا أقرأ؟ قال‪ :‬فغتني به‬
  ‫وما أتأخر‪ ،‬وجعلت أصرف وجهي عنه في‬            ‫حتى ظننت أنه الموت‪ ،‬ثم أرسلني‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ‪،‬‬
  ‫آفاق السماء‪ ،‬قال‪ :‬فلا أنظر في ناحية منها‬      ‫قال‪ :‬فقلت‪ :‬ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء‬
     ‫إلا رأيته كذلك‪ ،‬فما زلت واق ًفا ما أتقدم‬
 ‫أمامي وما أرجع ورائي حتى بعث ْت خديجة‬             ‫منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي‪ ،‬فقال‪:‬‬
   ‫رس َل َها في طلبي‪ ،‬فبلغوا أعلى مكة ورجعوا‬        ‫اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان‬
 ‫إليها وأنا واقف في مكاني ذلك‪ ،‬ثم انصرف‬          ‫من علق‪ .‬اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم‬
 ‫عني”‪ .‬الرواية تذكر أن النبي وجبريل مكثًا‬       ‫علم الإنسان‬
 ‫وقتًا طوي ًل أمام بعضهما‪ ،‬حتى ذهب رسل‬            ‫ما لم يعلم‪.‬‬
     ‫خديجة إلى أعالي مكة وعادوا‪ ،‬وأنه كان‬       ‫قال‪ :‬فقرأتها‬
  ‫ثابتًا‪ ،‬فأين الخوف والارتجاف و»زملوني‬            ‫ثم انتهى‬
                                                   ‫فانصرف‬
                               ‫زملوني»؟‬         ‫عني وهببت‬
   ‫وعلى الرغم من الاختلاف بين الروايتين‪،‬‬          ‫من نومي‪،‬‬
  ‫فإنهما تشتركان في عناصرهما الأساسية‪:‬‬          ‫فكأنما كتبت‬
 ‫أن (جبريل) جاء للنبي في غار حراء وأملاه‬       ‫في قلبي كتا ًبا‪.‬‬
 ‫الآيات الخمس الأولى من سورة القلم‪ ،‬التي‬       ‫قال‪ :‬فخرجت‬
                                                ‫حتى إذا كنت‬
                                                    ‫في وسط‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20