Page 16 - m
P. 16
العـدد 56 14
أغسطس ٢٠٢3
ظني بالطبع إذ لا يوجد دليل مادي على أي كانت بداية الوحي وأول البعث .لكن ثمة
رواية ،لكنني ذكرت الروايات الأخرى لأنها روايات تنفيهما م ًعا تما ًما ،ففي تفسير
تقول معنى من اثنين: القرطبي لآية «اقرأ باسم ربك الذي خلق»
الأول :أنه إن صحت الروايات الأخرى ،فإن يذكر أنه «قيل :إن أول ما نزل يا أيها المدثر،
رواية السيدة عائشة -التي يسلم بها الغالبية
الكاسحة من المسلمين -لم تكن محل اتفاق قاله جابر بن عبد الله ،وقد تقدم .وقيل:
فاتحة الكتاب أول ما نزل ،قاله أبو ميسرة
في وقتها ،فعل ٌّي بن أبي طالب هو من هو، الهمداني .وقال علي بن أبي طالب :أول ما
وجابر بن عبد الله الأنصاري ( 16ق.هـ- نزل من القرآن قل تعالوا أتل ما حرم ربكم
78هـ) ،كان عمره 26عاما حين توفي النبي
عليكم”.
وروى عن كثيرين ،وكثيرون رووا عنه، -روى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد
أما أبو ميسرة الهمزاني (ت63 :هـ) فهو الرحمن قال :سألت جابر بن عبد الله أي
محدث من الطبقة الأولى من التابعين ،مرتبته القرآن أنزل قبل؟ قال :يا أيها المدثر(.)8
عند ابن حجر (ثقة) ،ومرتبته عنذ الذهبي -من يقولون إن “الفاتحة” أول ما نزل:
«دليلهم على ذلك ما رواه البيهقى في الدلائل
(حجة). بسنده عن أبى ميسرة عمرو بن شرحبيل
الثاني :أن افتراض صحة رواياتهم تشكك أن رسول الله (ص) قال لخديجة :إنى إذا
خلوت وحدى سمعت نداء فقد والله خشيت
في حدوث قصة الغار كلها ،وافتراض على نفسى أن يكون هذا أم ًرا .قالت :معاذ
عدم صحتها يدل على خطأ في إحكام كتب الله ما كان الله ليفعل بك ،إنك لتؤدى الأمانة،
الأحاديث التي ذكرتها ،وبالتالي نقف موقف وتصل الرحم ،وتصدق الحديث ،فلما دخل
الشك من كل الروايات! خاصة أننا بإزاء أبو بكر ذكرت خديجة حديثه لها وقالت:
حدث جلل فار ٍق لا ُيتصور نشوء اختلاف اذهب مع محمد إلى ورقة فانطلقا فق َّصا
عليه ،فقال :إذا خلوت وحدى سمعت نداء
حوله. خلفي يا محمد يا محمد ،فأنطلق هار ًبا فى
الأفق ،فقال :لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى
طرق نزول الوحي تسمع ما يقول .ثم ائتنى فأخبرنى .فلما خلا
ناداه يا محمد قل :بسم الله الرحمن الرحيم،
في تتبعنا للطريقة التي نزلت بها الكتب الحمد لله رب العالمين ..إلخ آخر الفاتحة(.)9
(السماوية) على (الأنبياء) ،رأينا أن موسى (لاحظ في هذا الحديث أن الذي ذهب بمحمد
إلى ورقة كان أبا بكر وليس خديجة ،وأن
التقى الرب بذاته وتحدث إليه عد ًدا من ذلك لم يكن بعد رؤيته جبريل في الغار ،وأنه
المرات وسلمه بنفسه لوحين من حجر عليهما كان يسمع من يناديه ..وكلها قصص تغزل
بطرق مختلفة -حسب الراوي -على (أصل)
بداية التوراة ،بل وقرأها بذاته على بني أن النبي كان يسمع ويرى ،وأن ورقة كان
إسرائيل ،وأن عيسى هو ابن الرب أو أحد مرج ًعا! فهل تعدد الروايات يثبت الحكاية
تجلياته ،بينما نزل الوحي على محمد بواسطة
(جبريل) ،وإذا تجاوزنا عن هذا التفاوت في الأصلية أم ينفيها؟ هذا هو السؤال)
المرتبة ،فإن ما يدهش في السردية الإسلامية صحيح أن غالبية الدارسين يرجحون رواية
أن النبي لم يلت ِق (جبريل) على صورته إلا
السيدة عائشة التي تقول إن أول ما نزل
مرتين :الأولى في غار حراء ،وقد توقفت «اقرأ باسم ربك الذي خلق» ،وهو ترجيح
عند الخلاف فيما إن ظهر على صورة ملاك
أو إنسان ،وإن ظهر صراحة أم في رؤيا..
والثانية كانت عند سدرة المنتهى لقوله
تعالى« :ولقد رآه نزلة أخرى ،عند سدرة