Page 11 - m
P. 11

‫افتتاحية ‪9‬‬

       ‫مبدئيًّا ‪-‬كما ذكرت‪ -‬فإن الثابت لدى‬     ‫بعده‪ .‬بالرغم من أن الإسلام يرى أن الإنجيل‬
  ‫المسيحيين أن «يسوع» لم يترك كتا ًبا‪ ،‬وأن‬                            ‫من َّز ٌل من عند الله‪.‬‬

      ‫«كتب النبوات” في العهد القديم يقصد‬         ‫في إنجيل متى تأكيد على إلهية المسيح فقد‬
   ‫بها (الكتب الأربعة الأولى) في كتاب العهد‬     ‫أورد في الإصحاح السابع عشر (من ‪)5 :1‬‬
                                                 ‫ما يأتي ن ًّصا‪« :‬وبعد ستة أيام أخذ يسوع‬
       ‫الجديد‪ ،‬والتي ُنسبت إلى كل من متى‬         ‫بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم‬
    ‫ومرقس ولوقا ويوحنا‪ ،‬وأقول «نسبت»‬
‫إليهم ‪-‬كما تقول الكتابات الدينية والدراسات‬         ‫إلى جب ٍل عا ٍل منفردين‪ /.‬وتغيرت هيئته‬
 ‫العلمية الحديثة على السواء‪ -‬لأنه ليس ثابتًا‬     ‫قدامهم‪ ،‬وأضاء وجهه كالشمس‪ ،‬وصارت‬
‫قطعيًّا إن كان (الرسل) الأربعة هم من كتبوا‬        ‫ثيابه بيضاء كالنور‪ /.‬وإذا موسى وإيليا‬
 ‫كتبهم‪ ،‬بل الراجح أنها انتقلت عنهم شفاهيًّا‬     ‫قد ظهرا لهم يتكلمان معه‪ /.‬فجعل بطرس‬
                                                ‫يقول ليسوع‪( :‬يا رب‪ ،‬جيد أن نكون ههنا!‬
      ‫وتم تدوينها لاح ًقا‪ ،‬كما حدث بالنسبة‬    ‫فإن شئت نصنع هنا ثلاث مظال‪ :‬لك واحدة‪،‬‬
‫للأحاديث النبوية الإسلامية‪ ،‬كما أنها ليست‬      ‫ولموسى واحدة‪ ،‬ولإيليا واحدة)‪ /‬وفيما هو‬
 ‫الكتب الوحيدة في هذا الشأن‪ ،‬بل هناك كتب‬        ‫يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم‪ ،‬وصوت من‬
  ‫كثيرة مشابهة عملت الكنيسة على دراستها‬       ‫السحابة قائ ًل‪( :‬هذا هو ابني الحبيب الذي به‬

       ‫حتى نهاية القرن الثاني أو الثالث‪ ،‬ثم‬                       ‫سررت‪ .‬له اسمعوا)”‪.‬‬
‫اعتمدت هذه الكتب الأربعة فقط‪ ،‬التي سميت‬             ‫مسألة الخلاف حول ألوهية المسيح أو‬
 ‫الأناجيل القانونية‪ ،‬واندثرت الكتب الأخرى‬            ‫بشريته ليست محل نقاش لدى أتباع‬
                                                  ‫اليهودية والإسلام فحسب‪ ،‬بل هي محل‬
   ‫بفعل الإهمال‪ ،‬وأهم الأناجيل التي أهملت‪،‬‬     ‫خلاف بين الطوائف المسيحية نفسها‪ ،‬ولولا‬
‫والتي لا يؤمن بها المسيحيون‪ ،‬إنجيل برنابا‪.‬‬        ‫أن هذا الكتاب ليس لاهوتيًّا‪ ،‬وبالتالي فلا‬
‫واختلافات الأناجيل الأربعة القانونية ليست‬         ‫يدخل ضمن اهتماماته عرض هذه الآراء‬
                                                 ‫بالتفصيل لفعلت‪ ،‬لكن هذا لا يدخل ضمن‬
   ‫في كلمة أو تفصيلة هنا أو هناك‪ ،‬كما بين‬       ‫اهتماماتي هنا‪ ،‬بقدر ما أنا مهتم بـ(حقيقة‬
  ‫القراءات في القرآن مث ًل‪ ،‬بل إنها تختلف في‬     ‫الكتب السماوية)‪ ،‬والطرق التي نزلت بها‪.‬‬
‫الموضوع ذاته لدرجة أن اتفاقها يعد استثنا ًء‪،‬‬
  ‫فعلي سبيل المثال «يظهر المسيح في الإنجيل‬
 ‫الذي دونه مرقس بمظهر المخلِّص الذي جاء‬
‫ليفدي الإنسان‪ .‬فبدافع محبته الفائقة‪ ،‬ينهمك‬

    ‫في أعمال الرحمة؛ فيسد حاجة الإنسان‪،‬‬
  ‫ويخفف من أحزانه‪ ،‬ثم يبذل‬

     ‫نفسه فدية عنه‪ .‬ومن هنا‬
   ‫تركيز مرقس على معجزات‬
  ‫المسيح أكثر من تركيزه على‬
 ‫تعاليمه‪ .‬وينتهي هذا الإنجيل‬
  ‫إلى الحديث عن نهاية الزمان‬

     ‫وما سيحدث عند رجوع‬
    ‫المسيح ثم يسرد الأحداث‬
   ‫المتعلقة بآلام المسيح وموته‬
  ‫وقيامته وصعوده إلى المجد‪،‬‬
   ‫ويؤكد على مساندة المسيح‬
   ‫لتلاميذه فيما هم ينشرون‬
   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16