Page 30 - m
P. 30

‫يمكننا أن نميز في فضاء الفلسفة بين‬

‫نمطين كبيرين من السرد‪ :‬واحد نقول‬

‫عنه أفلاطوني والآخر مضاد للأفلاطونية‪.‬‬

‫ونقول في شأن الأدب إن التمييز ممكن‬

                                                       ‫أي ًضا بين صنفين من القول الأدبي‪:‬‬

                                                       ‫الأدب العقدي‪ -‬الإديولوجي والأدب‬

                                                       ‫الخالص‪ ،‬أدب الهامش أو بعبارة‬

                                                       ‫دولوز الأدب الصغير في معنى الأدب‬

                                                       ‫المشاكس‪ ،‬أو المشاغب‪ .‬إن مؤاخذات‬

                                                       ‫بروست على التفكير الفلسفي هي‬

‫مؤاخذات الأدب الخالص على النزعة هيجل‬

 ‫بضمها للشيء ونقيضه فهي تكثف‬                                                   ‫الأفلاطونية‪.‬‬
‫ُكليّة الالتباس الذي يلف الكائن‪ ،‬لذلك‬
                                                          ‫و ُيعطلها هو علاقة سيئة أو صدفة غير مناسبة‪.‬‬
  ‫فالموت هو المناسبة التي تعلن فيها‬                    ‫هناك شيء سيِّئ في أن ُتصاب بداء السرطان لسوء‬
   ‫ثنية الالتباس عن نفسها‪ ،‬التباس‬                      ‫التغذية أو لسماع خبر مفجع‪ ،‬وهناك شيء جيد في‬
‫تعالق المتنافرات‪ :‬التجلي والتواري‪ ،‬البداية والنهاية‪،‬‬    ‫أن ُتشفى منه‪ .‬يترتب الموت عن علاقة غير مناسبة‬
    ‫الحب والغيرة‪ ،‬السلم والحرب‪ ،‬الزمان وخارج‬
   ‫الزمان (الانكسار أو الانزياح) الحقيقة والوهم‪،‬‬            ‫لقدرتنا‪ ،‬يترتب ‪-‬إذن‪ -‬عن إضعاف للقوة فينا‬
‫الورطة والحل‪ .‬ألم يستلهم هايدجر في يوم ما قول‬           ‫بفعل صدفة غير ملائمة‪ .‬بذلك‪ ،‬يكون الموت بمثابة‬
  ‫هولدرلين‪« :‬حيث يوجد الخطر يوجد المنقذ»؟ إن‬
‫الطيَّات اللامتناهية للوجود هي كناية على الالتباس‬           ‫ع َرض في المشروع الأساس للفلسفة‪ .‬قد يكون‬
 ‫الذي يمليه َحدث الموت على الكائن‪ ،‬فلا تتم َّكن منَّا‬   ‫تصور سبينوزا هو الصياغة الفلسفية المتكاملة لما‬
  ‫حرقة الأشياء إلا حين يسحبها الغياب‪ .‬إن الموت‬            ‫دأب الشاعر على قوله قبل قرون منذ هوميروس‬
    ‫بهذا المعنى هي حدث‪ ،‬الحدث كما وصفه جاك‬
 ‫دريدا‪« :‬الحدث هو ما يحدث‪ ،‬وبحدوثه يدهشني‪،‬‬                   ‫وهيزيود مرورا بالمتنبي ودانتي إلى مالارمي‬
                                                       ‫ورامبو‪ .‬ما دأب الشاعر على قوله هو الشجاعة على‬
     ‫يأخذني و ُيعلق فهمي‪ .‬الحدث هو ما لا أفهمه‬           ‫الموت وذلك في أفق الحياة‪ ،‬السيطرة على الموت أو‬
                                       ‫بتا ًتا»(‪.)1‬‬
                                                         ‫ترويضه‪ ،‬تملك الموت بوصف ذلك شر ًطا لإمكان‬
     ‫لقد شكل الموت‪ -‬الحدث الشرط الأنطولوجي‬                                                     ‫الحياة‪.‬‬
       ‫الأساس لنسج السردية الفلسفية والأدبية‪.‬‬
                                                       ‫َيعرف الأدب ‪-‬مثلما الفلسفة‪ -‬أن الموت ليس حادثة‬
‫السرديتان م ًعا ُت َوثقان لمفاعيل الزمان في الإنسان‪.‬‬   ‫بين حوادث أخرى‪ ،‬بل هو حدث في معنى أنه البنية‬
 ‫الحدث هو تعالق الزمان‪ ،‬والجسد هو الجسد وقد‬
                                                          ‫العامة للوجود‪ ،‬بنية فاتحة على الحياة‪ ،‬فهي إذن‬
                              ‫سطا عليه الزمان‪.‬‬             ‫بنية‪ -‬طية أو ثنية ‪ plis‬تنطوي على الحياة‪ .‬إنها‬
   ‫‪ ‬يحكي الأدب والفلسفة بطرق مختلفة مفارقات‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35