Page 31 - m
P. 31
29 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الحدث ،التباسات لقاء
الزمان والجسد .تحكيان
م ًعا سيرة الجسد مل ًقى به
في الهوة السحيقة للزمان،
اله َّوة -المنفتح ،الانفتاح
اللامتنا ٍه للالتباس ،للثنايا
والطيات .إن كل حدود
الحياة ،كل تمارين الموت
من قلق ومرض ،بؤس،
فاجعة ،حرب ،إحباط
هي نفسها شروط إمكان
الحياة ،حيث الحياة لا
تعدو أن تكون سوى نجاة
واستدراك.
«إني أعرف الحياة،
مارسيل بروست فريدرش هولدرلين أرتور شوبنهاور وذلك لأني كنت دو ًما
على وشك فقدانها»(.)2
من وجودها على تماس مع الموت. هكذا ت َحدث نيتشه الذي
يمكننا أن نميز في فضاء الفلسفة بين نمطين كان ُيبدي احتراما خاصا لسبينوزا ،فالتوقيع
كبيرين من السرد :واحد نقول عنه أفلاطوني الفلسفي الخاص بسبينوزا هو إدراك أن الحياة
والآخر مضاد للأفلاطونية .ونقول في شأن الأدب
إن التمييز ممكن أي ًضا بين صنفين من القول تتم عبر امتحان الموت ،امتحان الوجود الدائم
الأدبي :الأدب العقدي -الإديولوجي والأدب
الخالص ،أدب الهامش أو بعبارة دولوز الأدب بالقرب من الموت .الحياة إما أنها خوض لمغامرة
الصغير في معنى الأدب المشاكس ،أو المشاغب.
إن مؤاخذات بروست على التفكير الفلسفي هي أو لا تكون ،وهنا تتطابق الفلسفة مع الفن إذ ليس
مؤاخذات الأدب الخالص على النزعة الأفلاطونية.
يسعى بروست في متنه الأدبي إلى تصحيح للعلم شيء يقوله .بمعزل عن أفلاطون ،بمعزل عن
أطروحات التراث الفلسفي الديكارتي ،فالإبداع
أو التفكير ليس مي ًل طبيعيًّا للإنسان ،ليس فع ًل ثنائية الحياة والموت ،فالحياة في تعالق مع الموت،
تلقائيًّا لكائن عاقل .الأحرى أن الإبداع مفعول
لعلاقة ،سيرة جسد وهو تحت قبضة الغريب، وجود بمحاذاة الموت .إن الفلسفة والأدب وعموم
قبضة خارج عنيف أو بعبارة دولوز« :يتم الإبداع
ضمن عنق زجاجة» ،إنه «ترسيم لطريق خاص بين الحكايات التي حكاها الناس لأنفسهم كي تطمئن
مستحيلات» .وبذلك يكون «المبدع هو من يبدع
مستحيلاته الخاصة ويبدع الممكن في الوقت نفسه». قلوبهم كانت جوا ًبا على التناهي الخاص بالإنسان.
بحسب دولوز« :إذا لم تكن هناك مجموعة من وحده الإنسان يموت أما الكائنات الأخرى فهي
المستحيلات فلن يكون هناك خط هروب ،هذا
الخروج هو ما ُيشكل الإبداع ،قوة الخطأ هاته تنفق وتنتهي .يموت الإنسان لأنه يعرف أنه يموت،
إنه كائن الوعي بموته الخاص .فقلق الموت الذي
تحكيه الفلسفة والأدب هو ضريبة الوعي ،وعي
الإنسان بحدوده الخاصة.
إن الأدب هو خارج الفلسفة ،خارجها المشاغب
الذي ما فتئ يعتاش على الفلسفة لكي يوقظها من
سباتها العميق .وإذا كان الأدب يعتاش على الفلسفة
فذلك لأنه هو أي ًضا له سباته الخاص .يكمن ضلال
الفلسفة وضلال الأدب في المحاولة الفاشلة لتخليص
الحياة من صروف الزمان أي من صور تناهيها،