Page 34 - m
P. 34

‫العـدد ‪56‬‬    ‫‪32‬‬

                                                   ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

‫هو المفهوم‪ .‬بحسب‬

‫هايدجر يكون المفهوم‬

‫علة الداء التاريخي‬

‫الذي لحق الفلسفة‬

‫وهي تعادي الكائن‪.‬‬

‫المفهوم بوصفه صناعة‬

‫غريبة عن الأشياء‪،‬‬

‫فهو تشخيص لعنف‬

‫الصورة الذهنية تجاه‬

‫الشيء‪ ،‬إنه إحكام‬

‫لقبضة الأنا العاقلة على‬

‫الكائن‪.‬‬

‫المفهوم نسيان للوجود‬

‫وبذلك فهو شكل من‬

‫أشكال ممارسة العنف‪،‬‬

  ‫غير أنه في رسوخه‬       ‫فريدريك نيتشه‬             ‫جوستاف فلوبير‬  ‫جاك دريدا‬
‫الأسمى يكون المفهوم‬

‫نسيا ًنا لنسيان الكائن‪،‬‬
‫وبذلك يرتقي من مستوى التعنيف إلى مستوى‬
                                                         ‫فانهيار نسق اللغة هو شرط إمكان الأسلوب‪.‬‬
‫تدمير الوجود‪ .‬هنا تبلغ الفلسفة بحسب هايدجر‬               ‫الأسلوب بهذا المعنى هو خلخلة النسق المبني‬
‫درجة ضلالها المُبين‪ ،‬لكن حينها فقط يكون للشعر‬          ‫بالتعريف على منطق الثنائيات‪ ،‬خلخلة بموجبها‬
                                                        ‫يصبح مديح الحياة بمثابة شجاعة على الموت‪.‬‬
‫شيء يقوله إذ يشير إلى حيث يجب أن تختط‬                  ‫يقوم الأدب إذن على الأسلوب‪ ،‬على خلخلة نظام‬
                                                   ‫الكلمات‪ ،‬وزحزحة دلالاتها‪ .‬بالموازاة‪ ،‬تقوم الفلسفة‬
‫الفلسفة طريقها‪ .‬إن الشعر إذ لا صله له بالعقل‬            ‫على إبداع أسلوب له شأن بحركة المفاهيم‪ .‬كل‬
                                                       ‫أسلوب فلسفي هو توقيع خاص‪ ،‬مزاج متفرد‪.‬‬
‫ولا بالمشاعر فهو حديث المجهول عن نفسه‪ ،‬حديث‬         ‫تكمن فرادة الأسلوب الفلسفي في نمط فهم المفهوم‬
                                                   ‫وإِعماله‪ .‬إن ما توصل إليه دولوز في آخر أعماله من‬
‫الكائن عن سيرته في توتره واندفاعه‪ ،‬في تنوعه‬        ‫أن تمرين التفلسف ينحل في إبداع المفاهيم ليس من‬
                                                     ‫الجدة في شيء‪ ،‬فذلك معلن على الأقل منذ هيجل‪.‬‬
‫وتغايره‪ .‬هكذا ُتنجز الكلمة في الشعر بوصفها‬              ‫غير أن استثنائية القول الدولوزي هو مراجعة‬
‫استعارة‪ُ ،‬تنجز تألي ًفا بين متناظرات‪ -‬متلائمات‪،‬‬
‫ُتنجز وحدة مختلفة جدر ًّيا عن وحدة المفهوم‪.‬‬                                         ‫مفهوم المفهوم‪.‬‬
   ‫يشتق دولوز مسا ًرا مختل ًفا لإنقاذ الفلسفة من‬    ‫إذا كانت الفلسفة إبدا ًعا للمفاهيم‪ ،‬فما هو المفهوم؟‬
‫قبضة المفهوم‪ .‬الأمر عنده لا يتعلق بإغلاق إمكانية‬
                                                        ‫لا يمكن فهم أسئلة المتن الدولوزي والنتشوي‬
‫المفهمة بل بمراجعتها جذر ًّيا‪ .‬ماذا لو تم تخليص‬        ‫الفرنسي عموما إلا في تناظر مع المتن الفلسفي‬
‫المفهوم من تقاليد مفهوم المفهوم‪ ،‬تقاليد اختزال‬           ‫الهيدجيري‪ .‬لقد سعى دولوز إلى إنجاز حوار‬
                                                      ‫الانفصال مع هايدجر الذي لم ير في الفلسفة إلا‬
‫المفهوم في عمليتي التجريد والتعميم؟ يتمثل التوقيع‬   ‫ميتافيزيقا مختزلة للكائن‪ ،‬وأداتها الأساس في ذلك‬
‫الفلسفي الخاص بدولوز في أن المفهوم ليس تحني ًطا‬

‫للكائن ضمن صورة عقلية‪ ،‬الأحرى أنه إفراج‬

‫عن الكائن في معنى تحرير للسرعات وللتوترات‬

‫الكامنة فيه‪ ،‬فالمفاهيم ليست بناءات صورية بل هي‬

‫سيرورات‪ ،‬أحداث وسيول‪ ،‬توليف خيوط ُتشكل‬
                         ‫نسيج الكائن‪.‬‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39