Page 37 - m
P. 37
35 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
أمامه دون أن يدري ،وذاك حال المريض في مرض يحمل هذا النص الشعرى (زهور) من عنوانه دلالة
موته ،إنه هنا لا يتمثلها كلية ،فهو يلمحها في آنه قوية على التفاعل مع الطبيعة ،والطبيعة الوردية
وحاضره مجرد اللمح؛ لأنه في عالم آخر ،يغفو منه بشكل عام و(الزهور) منها بشكل خاص ،إذ إن هذا
مرة ،ويفيق منه مرة أخرى ،بما يعني أن المشهد العنوان يأخذنا إلى مدار السيمائية بعلاماتها الثرة؛
لا يزال في بدئه متماو ًجا ،وجاءت لفظة (ألمحها)
لأنها تحمل المؤولات الثلاثة (المباشر والإيحائي،
تدلي ًل على الصورة غير الواضحة للورد ،فهي تلمح والنهائي) ،إذ يبدو المباشر في خضرتها ،فض ًل
دون أن تبصر ،لأن الأخير يستغرقها ،و يبين عن عن عبيرها وشذاها ،والإيحائي يغدو في صورتها
معالمها ،فض ًل عن تصويرها. التشخيصية ،والنهائي يتشكل في توحدها بالشاعر،
ويستفيق الشاعر من غفوته ،أو إفاقته ،أو هما م ًعا؛
ليكتشف معالم تجسيمية تبين عن المشهد ،وتجلي أو توحد الشاعر بها جملة وتفصي ًل.
مكوناته ،بل مقوماته (وعلى كل باق ٍة) ،إنه هنا وإذا نظرنا إلى مجمل ذلك النص بعد الوقفة
وعاها جي ًدا ،وخبر مكانها وحدده ،إذ يكشف عن العنوانية المستهلة السابقة ،سنلحظ أن الشاعر (أمل
محتوى ما تبينه عبر مشاهدته تلك ،حيث تجاوره دنقل) كان على وعي شديد حينما راح ينظم ،أو
باقات من الورد متعددات ،مسطر ،أو موقع عليها يشكل ،بل يش ّذب تلك الزهور ،لهذا نجده يشكل
أو عليهن باسم صاحبها ،أو مرسلها ،أو مهديها ن َّصه هذا عبر أبعاد ،أو مراحل ،أو مشاهد خمسة،
(اسم حاملها في بطاق ْة) ،بما يعني اللزوم الاسمي
تجيء على النحو الآتي:
لكل باقة ورد ،وكأنه هنا يبين معارفه ،أو أصدقاءه، -المشهد الأول :الاستهلالي (الورد بين الإغفاءة
أو زواره ،بيد أن النظرة العميقة لتصويره هذا ،إنما
والإفاقة).
يعني حضور لوازم الشخوص ،وليس الشخوص -المشهد الثاني :مشهد الفقد.
أنفسهم ،ليؤكد لنا أنه في عزلة تامة عن محبيه، -المشهد الثالث :مشهد العرض.
-المشهد الرابع :مشهد (الحضور) الفعلي.
بسبب مرضه هذا ،يعضد تلك الرؤية مجيء قافية -المشهد الخامس :المشهد الدرامي الجنائزي.
هذا المشهد مقفولة أو مغلقة الرو ِّي (إفاق ْة -بطاق ْة)،
المشهد الأول :الاستهلالي (الورد بين
وهذا الغلق ،أو ذلك القيد إنما يشي بقيده الآني، الإغفاءة والإفاقة)
وعجزه الحالي عن الحركة ،يؤكد ذلك ويعمقه
يصدر الشاعر (أمل دنقل) مشهده الاستهلالي
مجيء الروي هنا بصوت (القاف) ،وهو صوت هنا (وسلال من الورد)،
معروف بقلقلته ،مما يعكس معاد ًل صوتيًّا ،يعادل باستعراض سلال الورد
تما ًما مشهد الإغفاءة ،بل المتعددة في جنبات غرفته ،إ َّبان
مشهد المرض بقلقلته وقلقه في مرضه الأخير ،وقبل وفاته،
آن واحد ،نعم جاءت الأسطر وكأنه يشير لا إلى ذكرها
أو تصويرها فحسب ،وإنما
الشعرية الثلاثة بعد شطر
الاستهلال ،عبر صوت القاف يغرض إلى ما وراءها ،وهو أن
-كروي-؛ ليعمق الإحساس لوجودها أمامه -في آنه -أم ًرا
بقلق الشاعر وقلقلته من مشهد يخصه نفسيًّا وجسد ًّيا ،ولأنه
الورد ،خاصة وأن القيد -قيد
القافية برويها -جاء مضاع ًفا يريد تجليتها ،بل تجلية ما
للإطلاق (إفاق ْة -باق ْة)؛ ليكشف يعنيه راح يعمق الإحساس بها،
بل به هو شخصيًّا (ألمحها بين
لنا عن التماثل ،بل الامتداد إغفاءة وإفاق ْه) ،بما يعني مثولها
الشعوري ،والبصري المحدد من
الإفاقة إلى الباقة.