Page 42 - m
P. 42

‫العـدد ‪56‬‬  ‫‪40‬‬

                                                       ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

  ‫والشجاعة من جهة أخرى؛ وسترضى به أو بهما‬                ‫ثاني ْة)‪ ،‬إنها هنا (الباقة)‪ ،‬وعبر حاضرها تصارع‬
   ‫م ًعا؛ لأنها جاءت من أجل غرض سام‪ ،‬وهو إبقاء‬         ‫الموت والحياة م ًعا (إغماءه‪ /‬إفاقة)‪ ،‬بل تتنفس مثله‬
  ‫الشاعر عم ًرا مدي ًدا؛ لأنه شاعرها‪ ،‬أو قسيمها‪ ،‬أو‬
                                                          ‫بالكاد‪ ،‬تعمي ًقا للإحساس بالتوحد به ومعه‪ ،‬ولك‬
              ‫بالأحرى شقها في الحياة والفن م ًعا‪.‬‬        ‫أن تلحظ لفظة (بالكاد) كجملة اعتراضية‪ ،‬وكأنها‬
 ‫ويظهر السطر الشعري الأخير للمشهد الأخير‪ ،‬بل‬
 ‫للقصيدة كلها حام ًل النهاية هنا جنبًا إلى جنب مع‬           ‫هنا باعتراضها عبر البيت أو السطر الشعرى‪،‬‬
 ‫اسم القاتل «اسم قاتلها في بطاق ْة»‪ ،‬نعم إن الشاعر‬       ‫تعادل اعتراض الحياة الواقعية للشاعر وزهوره‪،‬‬

   ‫يخط النهاية بصنعة دالة ومعادلة‪ ،‬دالة لأنه قدم‬            ‫أو باقاته‪ ،‬كل باقة على حدة‪ ،‬ويزداد إحساسنا‬
 ‫القاتل‪ ،‬أو حتى اسمه‪ ،‬بل وحدد موضعه‪ ،‬ومعادلة‬                  ‫بمعاناتهما م ًعا‪ ،‬من خلال التكرار بالجملتين‬
‫لأن صوت القافية كروي مقيد هنا‪ ،‬وقد عادل حالة‬
  ‫القلق‪ ،‬بل الفقد جملة وتفصي ًل‪ ،‬وإذا ما ذكر اسم‬           ‫الأخيرتين (ثاني ًة بثاني ْة)‪ ،‬إذ جعل الأولى تتزين‬
‫القاتل على بطاقته مسطو ًرا أو مرسو ًما‪ ،‬على الشاعر‬          ‫النصب (المفتوح) معادلة‪ ،‬ل َن َفس يدخل كليهما‪،‬‬
‫أن يقيم المحاكمة ضده من أجلها وأجله‪ ،‬بل من أجل‬              ‫وجعل الثانية المقيدة (ثاني ْة) سبي ًل إلى توقفها‬
                                                        ‫بين لحظة وأختها‪ ،‬ومن دلالة‪ ،‬ب َل دلالتي اللفظتين‬
       ‫البقاء للأحسن والأفضل والأسمى والأعدل‪.‬‬          ‫نتبين البعد الزمنى المحدد‪ ،‬يرتبط بالثانية وهي أقل‬
  ‫هكذا قدم الشاعر (أمل دنقل) نموذ ًجا شعر ًّيا دا ًّل‬  ‫الوحدات الزمنية‪ ،‬لتشعرنا‪ ،‬بقصرها‪ ،‬وبقرب موعد‬
 ‫في صورة حوارية سردية مع زهرات زائرات‪ ،‬راح‬
                                                                                    ‫الفراق لكليهما م ًعا‪.‬‬
     ‫يعكس من خلالها أو خلالهن حاله في آنه‪ ،‬وما‬                  ‫والباقة‪ ،‬أو كل باقة على الرغم مما تعانيه‪،‬‬
 ‫يعانيه من مرض‪ ،‬ارتضى أن يخفيه عن أصدقائه‪،‬‬                   ‫فإنها تتحمل فزعات ونزعات مميتة‪ ،‬من أجل‬
                                                           ‫الذات الشاعرة المتحدية «وعلى صدورها حملت‬
     ‫لكن العوز كشف الجميع‪ ،‬ولم يقف بجانبه إلا‬          ‫‪-‬راضية‪ ،»..-‬فهى مع كل هذه المعاناة تحمل عنوان‬
  ‫قلة من أحبابه وأصدقائه‪ ،‬أما الآخرون فقد قتلوه‬         ‫قاتلها‪ ،‬ولكنها ‪-‬عبر جملة اعتراضية‪ -‬ترتضيه‪ ،‬لا‬
                                                         ‫محبة فيه‪ ،‬وإنما رغبة في بقاء الشاعر الذي دعت‬
      ‫معنو ًّيا‪ ،‬كما قتلوا زهراته الجميلات الزائرات‬     ‫له‪ ،‬وتمنت له العمر الطويل‪ ،‬وبين الحمل والصدر‪،‬‬
               ‫المخلصات معنو ًّيا ونفسًّيا وجسد ًّيا‬         ‫تتجلى قدرة الشاعر‪ ،‬في إبانة المواجهة لها مع‬
                                      ‫‪------‬‬             ‫القاتل من جهة‪ ،‬ومع الموت من جهة أخرى‪ ،‬إذ لم‬
                                                       ‫تحمل قاتلها على ظهرها أو جنبها أو غيرهما‪ ،‬وإنما‬
 ‫أستاذ الأدب العربي‪ ،‬كليه دار العلوم جامعه المنيا‪،‬‬      ‫حملته على صدرها؛ تأكي ًدا لمبدأ المواجهة من جهة‪،‬‬
     ‫وعضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة‪.‬‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47