Page 40 - m
P. 40

‫يقدم أمل دنقل الغاية من النزول‪،‬‬
                                                           ‫أو السقوط "حتى اشترتها اليد‬
                                                         ‫المتف ِّضلة العابرة"‪ ،‬إنها‪ ،‬بل إنه‬

                                                      ‫يق ِّدم ‪-‬تجمًل‪ -‬حيلة لتبين مآلها‪ ،‬إذ‬
                                                     ‫تكون لغاية الاشتراء‪ ،‬من يد عابرة‪،‬‬

                                                         ‫أو متفضلة‪ ،‬وإن قدم التفضل هنا‬
                                                       ‫سبيًل إلى أن الزهور‪ ،‬وإن قطعت‪،‬‬

                                                          ‫أو سقطت تظل حاملة جز ًءا من‬
                                                     ‫بري ًقها وبع ًضا من شذاها‪ ،‬غير أنها‬

                                                        ‫كالملكة التي تجلس على كرسي‬
                                                            ‫خميلتها تنظر وتهاب وتشم!‬

‫المشهد الرابع‪ :‬مشهد المجيء‪ /‬الحضور‬                          ‫أو الشم واستنشاق أريجها‪ ،‬وزهور ساقطة‬
                                                          ‫مركونة مقيدة‪ ،‬وإن تعاظم أثرها تذهب مرغمة‬
      ‫نلحظ الشاعر (أمل دنقل) يص ِّدر ذلك المشهد‬        ‫إلى أيدى المنادين (البائعين)‪ ،‬لتباع وتشترى‪ ،‬وقد‬
  ‫بتحدث الزهور أو الزهرات الجميلات معه؛ ليعيد‬           ‫فقدت الكثير من بريقها ولونها ورائحتها العبقة‪.‬‬
  ‫جدلية التحدث أو الحوار بينه و بينهن مرة ثالثة‪،‬‬           ‫ويتعمق ذلك المشهد إثارة عبر السطر الأخير‬
   ‫(تتحدث لي) وبالصيغة نفسها والمساحة المكانية‬           ‫من ذلك المشهد‪ ،‬حيث يقدم الشاعر (أمل دنقل)‬
‫ذاتها‪ ،‬والتقرب الشعورى عينه‪ ،‬غير أنه هذه المرة لا‬      ‫الغاية من النزول‪ ،‬أو السقوط «حتى اشترتها اليد‬
‫يسقطها من خميلتها بالقطف أو القصف أو الإعدام‪،‬‬        ‫المتف ِّضلة العابرة»‪ ،‬إنها‪ ،‬بل إنه يق ِّدم ‪-‬تجم ًل‪ -‬حيلة‬
‫كما أنه لن يضعها في زجاج الدكاكين‪ ،‬أو يرميها في‬       ‫لتبين مآلها‪ ،‬إذ تكون لغاية الاشتراء‪ ،‬من يد عابرة‪،‬‬
  ‫أيدي المنادين‪ ،‬وإنما يضعها بين يديه ماثلة أمامه‬        ‫أو متفضلة‪ ،‬وإن قدم التفضل هنا سبي ًل إلى أن‬
  ‫جها ًرا نها ًرا؛ ليحكى هو على لسانها قصة مجيئها‬       ‫الزهور‪ ،‬وإن قطعت‪ ،‬أو سقطت تظل حاملة جز ًءا‬
  ‫إليه تحدي ًدا‪ ،‬والغاية من ذلك المجيء «تتحدث لي‪..‬‬   ‫من بري ًقها وبع ًضا من شذاها‪ ،‬غير أنها كالملكة التي‬
  ‫كيف جاءت»‪ ،‬بما يعني أنها تقدم كيفية الحضور‪،‬‬         ‫تجلس على كرسي خميلتها تنظر وتهاب وتشم‪ ،‬لا‬
‫عبر اليد المتفضلة العابرة‪ ،‬أو حتي غيرها‪ ،‬المهم أنها‬     ‫تشترى ولا تباع ولا ترمى‪ ،‬بما يعنى أن الشاعر‬
  ‫جاءت‪ ،‬وأوفت بوعدها بالحضور إليه‪( ،‬وأحزانها‬               ‫هنا لا يقدم الزهور كبعد مادي‪ ،‬إن طال أمده‬
   ‫الملكية ترفع أعناقها الخضر)‪ ،‬إنه يصنع مفارقة‬       ‫سيسقط ويذبل‪ ،‬وإنما في واقع أمره يعادلها بذاته‪،‬‬
 ‫غريبة وعجيبة‪ ،‬إذ يجعل الأحزان هنا وسيلة لرفع‬           ‫أو بالأحرى‪ ،‬إنما يقدم نفسه‪ ،‬أو ذاته في صورة‬
                                                     ‫الزهرة‪ ،‬أو الزهور‪ ،‬وما حدث‪ ،‬أو يحدث للزهور من‬
    ‫الأعناق‪ ،‬لا خفضها‪ ،‬أو إسقاطها‪ ،‬بل تزداد تلك‬      ‫سقوط وبيع وشراء‪ ،‬إنما يحدث له بالصورة ذاتها‪.‬‬
    ‫المفارقة غرابة وعجبًا‪ ،‬حينما ترفع تلك الأحزان‬
   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45