Page 35 - m
P. 35

‫‪33‬‬            ‫إبداع ومبدعون‬

              ‫رؤى نقدية‬

                                                                       ‫إن ما يجمع الفلسفة‬

                                                                       ‫بالأدب هو نفسه ما‬

                                                                       ‫يجمع الكلمة بالمفهوم‪.‬‬

                                                                       ‫تتعقب الكلمة الفردي‬

                                                                       ‫والملموس بوصفه إمكانية‬

                                                                       ‫مفتوحة على اللانهاية‪ ،‬هذا‬

                                                                       ‫بقدر ما يترصد المفهوم‬

                                                                       ‫السيرورات والانتقالات‪،‬‬

                                                                       ‫حيوية التناقضات‬

                                                                       ‫والتوليفات‪ .‬إن الكتابة‬

                                                                       ‫اعتما ًدا على المفهوم أو‬
                                                                       ‫على الكلمة هي كتابة‬

                                                                       ‫الحدث‪ ،‬كتابة الموت‪ ،‬كتابة‬

                                                                       ‫الغياب المرافق للحياة‬

                                                                       ‫بوصفها بؤرة سيول‬

‫موريس بلانشو‬  ‫مارتن هايدجر‬                          ‫فيودور دوستويفسكي‬   ‫جارفة‪« .‬ليس للكتابة‬
                                                                       ‫‪-‬يقول دولوز‪ -‬وظيفة‬

 ‫الحياة‪ .‬تنتمي الكتابة إلى هذه القسوة‪ .‬فأن نكتب‬                          ‫أخرى غير أن تكون سيولة‬
‫فلسف ًة أو أد ًبا هو أن ُنكابد ترويض الموت وذلك في‬  ‫تقترن بسيولات أخرى‪ ،‬بكل الصيرورات الهامشية‬
‫أفق الحياة‪ ،‬أي أن نستعيد الحياة من الحزانى‪ ،‬من‬
                                                          ‫للعالم»(‪ .)7‬إن أسطع مثال على تعالق السيول‬
  ‫الفقيه‪ ،‬من الكائن الكنسي‪ ،‬من كل أشكال الدعاة‬       ‫وتداخلها هو عمل دوستويفسكي باعتباره تجربة‬
                      ‫وصنوف السلطة المحتملة‬         ‫حياة وتجربة كتابة‪ .‬فقد كتب في يوم ما‪« :‬رغم هذا‬

                                                       ‫العذاب كنت أحيا»(‪ .)8‬علق أندري جيد على ذلك‪:‬‬

                             ‫الهوامش‪:‬‬               ‫«المدهش هو أن يكون قد أنجز هذا العمل على الرغم‬
                                                         ‫من تلك الحياة»(‪ .)9‬ونحن نقول إن هذه الحياة‬

‫‪1- Derrida (J.),Habermas (J.),le concept du‬‬         ‫اقتضت ذلك العمل‪ ،‬فالسيول يستدعي بعضها‬
‫‪11september,p139, Gallimard, 2004.‬‬
‫‪2- Nietzsche (F.),le Gai savoir,Aph 303,Galli-‬‬                                               ‫بع ًضا‪.‬‬
‫‪mard,1982.‬‬                                              ‫إن الكتابة هي جواب الجسد وقد داهمه السيل‬
‫‪3-Deleuze (G.),pourparles,p182,Ed Minu-‬‬             ‫الجارف للحياة‪ ،‬إنها الجواب على السؤال الذي أ َّرق‬
‫‪it,2003.‬‬                                              ‫دوستويفسكي ونيتشه م ًعا‪ ،‬وقبلهما سبينوزا‪ :‬ما‬
‫‪4-Magazine Littéraire,L’enigme Blan-‬‬                 ‫الذي يقدر عليه الإنسان بمفرده‪ ،‬بمعزل عن مطلق‬
‫‪chot,p49,N° 424,2003 .‬‬                              ‫المتعاليات؟ ففي حين أنه كلما َطرح السؤال بطل من‬
‫‪5- Deleuze (G.),op.cité, p192.‬‬                       ‫أبطال دوستويفسكي َينهار لت ِّوه‪ ،‬نجد لدى نيتشه‬
‫‪6- Ibid, p196.‬‬                                        ‫الإنسان الأرقى راف ًعا شعاره المخيف‪« :‬كن قاسيًا‬
                                                     ‫وبلا رحمة صوب كل ما هو ضعيف وشائخ فينا‪،‬‬
     ‫‪ -7‬دولوز (جيل)‪ ،‬بارني (كلير)‪ ،‬حوارات‪ ،‬ص‪،67‬‬        ‫وليس فقط فينا»(‪ .)10‬تجريب القسوة هو تجريب‬
  ‫ت‪ :‬أحمد العلمي‪ ،‬عبد الحي أزرقان‪ ،‬منشورات أفريقيا‬       ‫الحياة‪ ،‬فالقسوة هنا ليست ضد الآخر بل هي‬
                                                    ‫القسوة على الذات‪ .‬وليست هذه القسوة على النفس‬
                                      ‫الشرق‪.1999 ،‬‬    ‫إلا الاسم الآخر للشجاعة على الموت وذلك في أفق‬
   ‫‪ -8‬جيد (أندري)‪ ،‬دوستويفسكي‪ ،‬ص‪ ،28‬ت‪ :‬إلياس‬

                ‫حنا إلياس‪ ،‬منشورات عويدات‪.1988 ،‬‬
                                   ‫‪ -9‬نفسه‪ ،‬ص‪.33‬‬

‫‪10- Nietzsche (F.), op. cité, Aph 25.‬‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40