Page 14 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 14
العـدد ١٩ 14
يوليو ٢٠٢٠
كتابة قصص قصيرة بالمعنى الفني المتعارف عليه، التي وسعت المشاركة وأعطتها سرعة فائقة ،بشكل
إنما كانوا ينطقون أو يكتبون تحت لافتة الفعل «حكى» لم يسبق له مثيل.
والاسم «حكاية» ،إلا أنهم في حكيهم هذا رفدوا وقد جاءت الأحداث السياسية الفارقة بوصفها
المجال العام بما عزز وظيفة القصة في تسجيل «سرديات كبرى» لتج ِّدد نشاط الحكاية أو القصة
التجارب الذاتية التي يشكل كل منها نقطة في دائرة المحكية ،فالثورات والانتفاضات والحروب الأهلية
واسعة ،بينما تمثل كل مجموعة زاوية من الزوايا، والاضطرابات السياسية الواسعة والفوضى هي أشبه
وبهذه وتلك يمكن أن تكتمل السردية إلى حد كبير. بسرديات كبرى تحوي في باطنها نثا ًرا من حكايات
إن الحديث عن استمرار القصة مبعثه الأساسي تفصيلية تخص كل من شارك فيها أو شهد عليها أو
لدي هو الحاجة المتجددة إليها في حياة الناس ،بما سمع عنها .وفي السنوات العشر الأخيرة ،ومنذ اندلاع
يجعل الاستغناء عنها ،أو تنحيتها جانبًا ،وإغفالها، انتفاضة تونس وحتى نهاية العقد الثاني من الألفية
ضر ًبا من العبث ،وربما المتسحيل .ويمكنني شرح الثالثة ،صارت لكل مواطن عربي ،ينتمي إلى البلدان
التي وقعت فيها هذه الأحداث المغايرة ،حكاية أو أكثر
هذا في النقاط الآتية: يرويها مع أهله وأصدقائه الذين تربطه بهم علاقة
وجه لوجه ،أو أولئك الذين يتواصل معهم في ساحة
)1
العالم الافتراضي الرحيبة.
الثورة مجرد قصص وهذه القصص ،التي تمثل تجارب شخصية أو
شهادات فردية وذاتية ،إن جمعناها من أفواه الناس
في العهود السياسية السابقة على الانتفاضات
والثورات لم تكن الحكايات ميتة بالطبع ،لكنها لم وما كتبه كل منهم على صفحته بأي من مواقع
تنهمر بهذه الغزارة ،ولم تتسم بهذه الحرارة ،التي قد التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت ،يمكنها أن
تعني الحماس أو الحميمية أو التعاطف مع الآخرين، تشكل جانبًا مه ًّما في فهم وتحليل ما جرى على مدار
وقد تعني الانزلاق إلى صراع محتدم على المكانة
عشر سنوات ،لاسيما أنها مح َّملة بأشواق هؤلاء
والمنفعة .وقبل ظهور ثورة الاتصالات لم يكن وتطلعاتهم وآمالهم ومواقفهم وتوجهاتهم ،ولذا يظل
للحكايات فرصة للذيوع الذي اكتسبته الآن ،وستعزز هذا أشبه بتاريخ حي ،ينبض ولا يموت على صفحات
في المستقبل. الورق مثل ما هو موجود في الوثائق وقصاصات
في سنوات ما قبل «الاضطراب» أو «الزعزعة» التي الصحف أو ما يموت فور ولادته مثل أغلب برامج
تواكب الفعل الثوري دو ًما في سبيل إعادة توزيع التلفزيون.
وترتيب أوزان القوة داخل المجتمعات على أسس لا يعني
جديدة ،كانت الحكايات تأتي رتيبة مكرورة ،تتلاقى هذا أن من
حكوا أو كتبوا
تجاربهم في
اختزال وتكثيف
يلائم ما تتيحه
مواقع التواصل
الاجتماعي أو
ما يناسب وقتًا
ضي ًقا لدى
الجميع في
واقعهم الحياتي،
كانوا يقصدون