Page 12 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 12

‫العـدد ‪١٩‬‬             ‫‪12‬‬

                                                          ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫رؤية أو تصور أو حالة أو‬

‫رغبة أو مسعى أو هدف‪،‬‬

‫وكل قصة تشكل جز ًءا من‬
‫هذه الدائرة حتى يكتمل‬

‫محيطها‪.‬‬

‫وأنتج هذا المسعى‬

‫لو ًنا أدبيًّا جدي ًدا يس َّمى‬
‫«المتتالية القصصية»‪،‬‬

‫التي تعني قص ًصا متتابعة‬
 ‫عن موضوع واحد‪ ،‬لتقع‬

‫في منطقة وسطى بين‬

‫«الرواية» و«المجموعة‬

‫القصصية»‪ ،‬في اختلاف‬

‫عن القصة الطويلة‬                ‫يوسف إدريس‬                            ‫يحيى حقي‬  ‫نجيب محفوظ‬

‫والرواية القصيرة أو‬

‫«النوفيللا»‪ .‬لكن حضور هذا اللون لا يزال باهتًا‪ ،‬إذ‬          ‫والكلاب» فإن له قصة قصيرة لا تقل حضو ًرا حين‬
                                                               ‫يتم استدعاء اسمه‪ ،‬وهي قصة «زعبلاوي» التي‬
  ‫لم يحظ باعتراف تام‪ ،‬لأنه لم يشق إلى الآن مسا ًرا‬
‫عفيًّا‪ ،‬وبات مته ًما بأنه لا يعدو كونه نو ًعا من الإزاحة‬     ‫جاءت ضمن مجموعته «دنيا الله»‪ ،‬وكان من أوائل‬
                                                             ‫ما ُترجم له إلى لغة أجنبية‪ ،‬وهي الألمانية‪ ،‬وع َّدها‬
   ‫التي يقوم بها أدباء أحيا ًنا‪ ،‬ربما دون قصد‪ ،‬حين‬        ‫نقا ٌد قص ًة عميق َة المعنى والمغزى‪ ،‬وهناك كذلك قصة‬
                                                          ‫«الحب فوق هضبة الهرم» التي عكست تأثير الانفتاح‬
‫يكتبون ن ًّصا‪ ،‬لا هو بالرواية ولا بالقصص‪ ،‬فيذهبون‬
‫إلى «تصنيف اضطراري» يس َّمى «المتتالية»‪ ،‬وكأنها‬                            ‫الاقتصادي على الشباب المصري‪.‬‬
 ‫رواية مبتسرة أو قصة متو ِّرمة بزوائد متناثرة في‬            ‫وهناك من استطاع أن ينسج من قصص قصيرة‬

                                   ‫جسدها كله‪.‬‬                 ‫عال ًما متكام ًل‪ُ ،‬يغني عن كتابة رواية‪ ،‬لا يعبر عنه‬
                                                            ‫سواها لامتداده‪ ،‬ودورانه حول مسألة واحدة‪ .‬وفي‬
‫ولم يؤ ِّد هذا التو ُّجه إلى تراجع وجود فن القصة‬           ‫هذا المقام تتجلَّى مجموعة محمد المخزنجي «سفر»‪،‬‬
‫القصيرة‪ ،‬وإن كانت سوق القراءة هي التي خلقت هذا‬              ‫التي تدور حول تجربة واحدة لكاتبها‪ .‬وسار كاتب‬
                                                           ‫هذه السطور على المنوال نفسه في تجربة «حكايات‬
‫التراجع‪ ،‬فعلى مدار عقدين أو أكثر زاد الإقبال على‬
                                                              ‫الحب الأول» التي تحوي مائة أقصوصة أو قصة‬
‫الرواية بينما ضعف على القصة والشعر‪ ،‬فطالهما‬               ‫قصيرة ج ًّدا تؤدي جميعها وظيفة واحدة وهي التعبير‬

‫أ ًذى كبي ٌر‪ ،‬وإن كان النشر في الدوريات وصفحات‬                 ‫عن هذه التجربة‪ .‬وسبق أن كتب نجيب محفوظ‬
‫الأدب بالصحف وحيِّزه في المواقع الإلكترونية ظ َّل‬         ‫تجربة «حكايات حارتنا» وهي عبارة عن مائة وسبعة‬
  ‫مفتو ًحا على مصراعيه أمام القصص التي تنهمر من‬            ‫وثلاثين حكاية منفصلة متَّصلة ترسم ملامح الحارة‬
‫هنا وهناك‪ ،‬لكن نشرها في مجموعة يوجب التوجه بها‬
                                                                      ‫بشتَّى تفاصيلها في لحظة زمنية معينة‪.‬‬
‫إلى دار نشر‪ ،‬وهنا تبدأ المشكلة أمام أغلبية الأدباء‪،‬‬       ‫إن هذا معناه أن القصة في سعيها للتعبير عن عالم‬

‫حيث تفضل دور النشر الروايات‪ ،‬ومثلها أصحاب‬                    ‫متكامل تتمرد على صورتها المتعارف عليها بأنها‬
                                                          ‫سرد مكثف يعبر عن لحظة أو موقف أو حالة‪ ،‬ويكون‬
‫واجهات وفرشات ومكتبات العرض والبيع‪ ،‬لأن الطلب‬
                                                            ‫هذا التمرد عبر دوران قصص المجموعة كلها حول‬
                                ‫عليها أكبر‪.‬‬               ‫نقطة واحدة‪ ،‬وكأنها تمثل دائرة حول مركز تحط فيه‬

‫إن فن القصة القصيرة لا ُينتج في فراغ‪ ،‬وارتباطه‬
‫بالسياق الاجتماعي الاقتصادي مسألة جلية‪ ،‬ليس من‬

‫زاوية التقاطه لأفكار وموضوعات ومضامين فقط‪،‬‬
‫بل أي ًضا ما يتعلَّق بإبداعه أص ًل‪ ،‬حيث يتحدد مدى أو‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17