Page 11 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 11
11 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
باستراتيجيات أبعد من الأدب أن قولهم بسيادة إرهابي جاهل ،كي يكتب ن ًّصا طوي ًل ،يحتاج إلى عناء
الرواية في حاجة إلى مراجعة ،لم يدرك أصحاب وبناء ،مثلما تطلبت منه رواياته ،سواء كانت قصيرة
التصورات السياسية خطأ ما انتهوا إليه زي ًفا أو على غرار «الكرنك» أو طويلة مثلما رأينا في ثلاثيته
تس ُّر ًعا ،أو لم يقدروا على المجاهرة بهذا .ويضع هذا
نقطة اختلاف بل خصام بين ما يفرضه عالم السياسة «ملحمة الحرافيش».
من سياسات وخطط واستراتيجيات هي موضوعة لكن هذا القول ينطوي على زي ٍف شديد ،فمحفوظ
سل ًفا بغية تحقيق أهداف معينة ومدبرة ومقدرة؛ وبين قبل فوزه بجائزة نوبل ،ثم اعتلاله ،أنتج لنا مجموعة
ما يعن لذهن نقاد الأدب ومنظريه ممن يفكرون بحرية «صباح الورد» ،التي ح َّققت نجاحها في إضافة لبنة
في النصوص التي تنهمر هنا وهناك ،ويربطونها جديدة إلى البناء الذي أقامه الأستاذ منذ أول قصة
بسياق اجتماعي وسياسي وفكري قد يوحي لهم
بتصورات ما ،يعتقد بعضهم أنها تشكل خط النهاية، كتبها ،وكذلك فعل يحيى حقي في المزاوجة بين
القصة والرواية ،دون توقف أمام أيهما أولى بالرعاية،
الذي لا يمكن للإبداع الأدبي أن يتجاوزه.
وهناك من يدرك أن القصة باقية ما بقيت الصحيفة وهو سؤال ق ْسري فرضته الأحوال فيما بعد .حتى
أن الجيل اللاحق سار على الدرب نفسه ،فوجدنا بهاء
والدورية الثقافية أو العامة ،إذ ليس بوسعها نشر طاهر وجمال الغيطاني وإبراهيم عبد المجيد وإبراهيم
رواية كاملة ،وإن فعلت فليس أكثر من فصل فيها،
يشار في مطلعه أو آخره بأن هذا «النص المقتطع» أصلان ومحمد البساطي ومحمد جبريل ُيبدعون
ليس سوى جزء من نص أوسع وأعرض هو «رواية قص ًصا قصيرة رغم اللافتة العريضة التي ُرفعت
كاملة» ،لكن قضية فن القصة القصيرة تع َّدى هذا
بالشعار الأثير« :زمن الرواية».
المسار الوظيفي إلى درب فني لا يمكن لأحد أن وقد فرض فن القصة نفسه ،حتى أ َّن صاحب
يضيقه كي يجعله مجرد مسألة أوسع من الرواية لافتة «زمن الرواية» وهو الناقد الكبير جابر عصفور،
لمقتضيات النشر ،أو هو استراحة بين نصين سرديين عاد وكتب «زمن القص» ،وكأنه به أراد الاعتذار أو
عريضين ،إنما هو فن عص ٌّي على التجاهل والنسيان، الموازنة مع تصوره الأول ،حين اعتقد أن الرواية
وأنه مقدر لذاته ،بل إن قصة قصيرة واحدة بوسعها سادت ،وامتطت صهوة الأشكال الأدبية كافة ،وأنها
أن تترك أث ًرا في وجدان الناس وأذهانهم أكبر كثي ًرا وحدها السيدة ،وأن هذا أمر لا تراجع فيه ،ولا فكاك
عنه .ويبدو أن عصفور قد استدرك برفع ثانيتهما،
من رواية كاملة عابرة. إما من باب مراجعة النفس ،أو من قبيل تقدير وتقييم
سأضرب مث ًل في هذ المقام ،بقصص يوسف جديد للمشهد الأدبي ،واعتراف بقدرة القصة القصيرة
إدريس المعنونة بـ«طبلية من السماء» و«الن َّداهة»
و«مسحوق الهمس» و«آخر الدنيا» و«حادثة شرف» على المنازعة ،وفرض نفسها.
وغيرها ،وليست الاستعانة في هذا المقام بإدريس إن الحديث عن «زمن الرواية» يشبه ،إلى ح ٍّد ما،
مصادرة على إبداعه خارج القصة القصيرة ،في ما قيل عن «نهاية التاريخ وخاتم البشر» ،مع الفارق
مسرحيات لا تنسى من أمثال «الفرافير» و«ملك الشديد بين المقولتين وبنيتهما ومضمونهما وكل
القطن» و«المهزلة الأرضية» أو رواية مثل «الحرام»، من يقف وراءهما والأهداف التي ترميان إليها ،لكن
إنما أردت أن أقول إن بعض هذه القصص قد بقي ما يجمع بينهما هو التس ُّرع الشديد ،الأولى لحساب
في الذاكرة أكثر من بعض محاولات إدريس الروائية تصورات أيديولوجية تو َّهمت أن انكسار الشيوعية
يعني بالضرورة انتصا ًرا أبد ًّيا للرأسمالية ،والثانية
والمسرحية نفسها. لحساب الانسياق وراء رواج الرواية من حيث الطلب
وحتى أن البنَّاء الأكبر للرواية العربية نجيب
محفوظ إن كنا نذكره دوما برواياته ذائعة الصيت على استهلاكها أو قراءتها ،وهي حقيقة لا يمكن
مثل «الثلاثية :بين القصرين ،قصر الشوق ،السكرية» إنكار سيطرتها لزمن ما ،لكن من العيب أن يتس َّرع
و«أولاد حارتنا» و«ملحمة الحرافيش» و«اللص أي أحد بأن هذا التفوق والسيادة بوسعه أن يستمر
إلى ما لا نهاية.
وفي الوقت الذي أدرك فيه النقاد غير المرتبطين