Page 16 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 16
العـدد ١٩ 16
يوليو ٢٠٢٠
تحيط بهما هالة من الجدية والصرامة ،وترتبطان في المقاومة المدنية السلمية ،وكذلك المقاومة
بمسائل وقضايا غاية في الأهمية والحيوية ،يمكن أن بالحيلة ،ولهذا يمكن أن ُيحكى بعضها مختص ًرا وفي
صوت زاعق أحيا ًنا من فوق المنصات المنصوبة في
تجد الحكايات إليهما منف ًذا أو سبي ًل.
في الحقيقة فإن الحكاية حاضرة بشدة في أروقة الميادين ،أو أمام كاميرات الفضائيات التي تدخل
السياسات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية ،ويتوسل بيوت الناس بالصوت والصورة ،أو على مواقع
التواصل الاجتماعي لاسيما وسط «المجموعات»
بها الكل في سبيل الاستمالة والإقناع والتزجية التي تش ِّكل روافع للعمل الثوري أو تنطق باسمه أو
والترويح وكسب الوقت ،لكن المسؤولين الرسميين
حريصون على إخفاء هذا ،إما لأنهم لا يريدون الكشف تنتمي إليه.
هنا تتاح الفرصة لكل شخص شارك في العمل
عن إحدى حيلهم الرامية إلى تحقيق أهدافهم ،ولو الثوري أن يكتب ما شاء على صفحته أو حسابه في
بطريقة ملتوية ،وإما لأنهم يعتبرون الحكي قد يقلل أي من مواقع التواصل الاجتماعي ،فإن كان كاتبًا
منهم أمام الرأي العام ،الذي يريد ممن يتولون أمر
القرار أن يكونوا واضحين جادين مباشرين يتحدثون محتر ًفا فبوسعه أن يسجل حكاياته في يوميات
مثلما رأينا في كتب «مائة خطوة من الثورة :يوميات
بلغة قابلة للقياس.
لكن الجميع يكتشف أن أروقة السياسة ميدان التحرير» لأحمد زغلول الشيطي ،و«كراسة
والدبلوماسية حافلة بالحكايات ،ولا ُيستثني من هذا التحرير» لمكاوي سعيد ،و«أيام التحرير» لإبراهيم
أحد ،ولا دولة ،ذات نظام حكم ديمقراطي كانت أم عبد المجيد ،و«الثورة الآن» لسعد القرش .وكانت
غير ذلك .فمن يتولون الإدارة العليا في أي بلد هم هذه اللحظة التاريخية ُمل ِهمة لكثيرين من غير الكتاب
في النهاية بشر تستهويهم القصص كغيرهم ،كما
أن بعض من حولهم يدركون أن امتلاكهم قدرة على المحترفين فولدت كتب كثيرة سجلت تجربة كل
الحكي المسلي قد تكون سببًا لبقائهم فترة أطول كاتب مع الحدث الكبير .وعلى التوازي تتابعت على
في مواقعهم ،وبعضهم يتص َّور أن تقديم التقارير
الشفهية التي تصف أحوال الناس يمكن أن يكون أكثر صفحات الجرائد كثير من الحكايات ،وكذلك في
نصاعة إن تدثر بالحكي ،وهناك المشاؤون بالنميمة البرامج المتلفزة والإذاعية.
والدسيسة الذين لا ب َّد لهم من امتلاك قدرة على
اختلاق الحكايات ،وتسويق أكاذيب من خلالها. ولأن كتابة رواية أو شهادة واسعة عميقة متكاملة
ويكتشف الجمهور هذا إن كتب أحد الساسة الكبار عن الحدث في جريانه هي مسألة صعبة ،اللهم إلا إذا
مذكراته ،فوقتها لا يتو َّسل فقط بالسرد عمو ًما كي ق َّسمناها إلى مشاهد مثلما فعل كاتب هذه السطور في
يقدم ما قاله وسمعه وأوصى به وفعله وجرى له، روايته «سقوط الصمت» وشهادته «عش ُت ما جرى»،
إنما يكون في حاجة إلى أن يقص على القراء بعض فإن الحكاية /القصة كانت طيِّعة وجاهزة لتلبية نداء
القصص من واقع ما حدث .ولا تخلو مذكرات من أصحاب القلم حين تنادوا ليكتبوا عن الثورة ،التي هي
هذه الخاصية ،مهما كان صاحبها يفتقر إلى قدرة في خاتمة المطاف من زاوية المعنى والبلاغة والبنية
على الحكي ،إذ إن غريزة هذا النوع من الكتابة تدفعه
دف ًعا إلى السير على هذا الدرب ،وعندها يجد الناس والمجرى والمسار بمنزلة سردية كبرى تطوي في
أن الأوقات التي كانوا يعتقدون أنها قد مضت مغلفة بطنها الآلاف من السرديات الصغيرة ،إنها في النهاية
بصرامة شديدة ،وتقريرية دقيقة ،كانت غارقة في
مجموع حكاياتنا القصيرة.
حكايات حتى الأذقان.
والمصدر الثاني لكشف علاقة الممارسة السياسية )٢
بالحكاية تتمل في الإفادات أو الشهادات ،وربما السياسة عدة حكايات
الاعترافات ،التي يدلي بها مسؤولون سابقون حين
حين ت ِرد كلمتا «سياسة» و«دبلوماسية» على أذهان
الناس ،تحضر معهما غالبًا ألفاظ من قبيل :الخطب
والبيانات والتصريحات واللقاءات والاجتماعات
والمباحثات والمحادثات والمفاوضات والمداولات
والمناورات ،ولا يعتقد أحد أن هاتين الكلمتين اللتين