Page 21 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 21

‫هذه القصص لا ُتستعاد كما كتبت‬

‫بالطبع‪ ،‬فضًل عن أن كتابتها لم تكن‬                     ‫الأولى تختلط اللهجة العامية بما‬
                                                   ‫استقر في الذاكرة من بعض عبارات‬
‫أب ًدا تصورها كما جرت في الواقع دون‬
                                                   ‫وردت على ألسنة أبطال الحكايات أو‬

‫حذف أو إضافة‪ ..‬فالتاريخ اختيار‬                     ‫تعبيرات قيلت عنهم من المعاصرين‬
                                                   ‫لهم‪ ،‬واللاحقين عليهم‪ .‬وفي الثانية‬

                                                   ‫نكون أمام كتابة تقوم بالأساس على‬

                                                   ‫النقول والتحقق‪.‬‬

                                                   ‫وهذه القصص لا ُتستعاد كما‬
                                                   ‫كتبت بالطبع‪ ،‬فض ًل عن أن كتابتها‬

                                                   ‫لم تكن أب ًدا تصورها كما جرت في‬
                                                   ‫الواقع دون حذف أو إضافة‪ .‬فالتاريخ‬

                                                   ‫اختيار‪ ،‬وما تم تدوينه منه هو مجرد‬

                                                   ‫جانب أو جزء أو مسار يعكس رغبة‬

                                                   ‫أو مصلحة أو فهم وإدراك وميل‬

                                                   ‫وانحياز من كتبه‪ ،‬فإن خرج من‬

                                                   ‫الصفحات إلى الشفاه‪ ،‬وساح في‬

                                                   ‫الأرض كلا ًما محكيًّا ولغة جسدية‪،‬‬
                                                   ‫انقطعت بعض صلته بما تم تدوينه‬

‫وتسجيله في الحوليات والكتب‪ ،‬وقامت صلات جديدة حيث يحرص من هم على قيد الحياة من الأجداد على‬

‫هي بين أصل الوقائع ومقتضيات الحكي‪ ،‬وهي فنية أن يعرف الأبناء والأحفاد شيئًا عن أمجاد عليتهم‬

‫وكبارهم‪ .‬وتأخذ الحكايات ما هو أوسع من هذا حين‬      ‫بالدرجة الأساسية‪ ،‬أو خاضعة لشروط الفن‪ ،‬أدرك‬

‫تلتقط من سياق الحضارات القديمة التي لا ينشغل‬       ‫هذا من حكوها أو غاب عن أذهانهم‪.‬‬

   ‫عموم الناس بعطاءاتها العلمية بقدر انشغالهم بما‬  ‫بهذا ينساب التراث قص ًصا قصيرة ويتم تداوله‬
    ‫خلفته من حكايات عن البارزين فيها أو تلك التي‬      ‫على هذا النحو بين الناس‪ ،‬ليتح َّول عبر الحكي‬
‫تغلف الطقوس الموروثة في الأفراح والأتراح‪ ،‬والجد‬      ‫إلى شيء حي‪ ،‬لاسيما أن من يحكونه بأساليب‬

‫والهزل‪.‬‬                                            ‫وطرائق مختلفة‪ ،‬يطلقون في شرايينه الكثير مما‬
                                                     ‫تجود به مخيلاتهم وقرائحهم ليصبح قاب ًل للتداول‬
                               ‫‪)٦‬‬                            ‫والاستساغة في زماننا‪ ،‬أو في زمن يأتي‪.‬‬

           ‫نه ٌج مغاي ٌر في نق ِد القصص‬            ‫إن الناس في بلادنا حين يريدون استعادة الماضي‬
                                                        ‫فإنهم يفعلون هذا على طريقة «كان يا ما كان»‪،‬‬
 ‫على قدر ال ُيسر الذي يمكن أن نلقاه في قراءة‬
‫المجموعات القصصية مقارنة بالروايات الضخمة‬            ‫لكن ليس بوسعهم في مواقف كهذه‪ ،‬أن يصيغوا ما‬

‫يودون قوله في سرد طويل أشبه بالرواية‪ ،‬إنما يأتي في عدد صفحاتها فإن تقديم نقد متكامل للقصص‬

‫بالطبع على هيئة قصص قصيرة‪ .‬وكذلك يفعل الدعاة يبدو أصعب مما نواجهه مع الرواية‪ ،‬فالأخيرة هي‬

‫في النهاية‪ ،‬ومهما بلغ حجمها‪ ،‬حكاية واحدة لفكرة‬     ‫المسلمون في قصهم على الأسماع حكايات الأنبياء‬

‫وحيدة مركزية‪ ،‬أما أي مجموعة فهي نثار من‬            ‫والأولياء والصحابة والخلفاء والفقهاء وقادة الجند‬

‫في زمن الفتوحات‪ .‬وعلى المنوال ذاته يحكي الوعاظ حكايات وشخصيات وعوالم وقضايا وأفكار ورؤى‬

‫ومسارات‪ ،‬تتعدد فيه الأمكنة والأزمنة‪ ،‬وقد تتباين‬    ‫الكنسيون قصص الحواريين والرسل والقديسين‬

‫والرهبان والاستشهاديين‪ .‬وتستعاد كذلك الحكايات الأساليب من قصة إلى أخرى‪ ،‬قصد الكاتب هذا أو‬

‫جاء الأمر عفو الخاطر‪.‬‬                              ‫غير الدينية من تراث العائلة والعشيرة والقبيلة‪،‬‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26