Page 24 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 24

‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪24‬‬

                                                    ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫د‪ .‬نادية هناوي‬

‫(العراق)‬

‫المنهجية وميكانيزمية تطورها‪..‬‬

‫بين عقلانية العلم وبراجماتية الفلسفة‬

‫يقدم البحث مقاربة نقدية بين منهجيتين‪ ،‬الأولى هي منهجية التعاطي الفلسفي‬
‫القديم ممثلة بكتاب (آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها) للفيلسوف الفارابي‬
‫وكيف أنه اتبع رؤية تجمع بين العلم والفلسفة‪ ،‬وعلى وفق فرضيات عقلانية‬
‫وحجج منطقية محددة‪ .‬والمنهجية الثانية هي منهجية التعاطي العلمي المعاصر‬
‫ممثلة بكتاب (رحلة عقل هكذا يقود العلم أشرس الملاحدة إلى الإيمان) للطبيب‬
‫وعالم النفس المصري الدكتور عمرو شريف‪ .‬وتهدف هذه المقاربة بين هاتين‬
‫المنهجيتين إلى معرفة ميكانيزمية تطورهما من منطلق أن الميكانيزمية هي‬
‫التكنيك الواعي الذي به يؤدي المنهج دوره واق ًفا على أساس علمي وقاعدة عقلية‬
‫في فهم الدين والفلسفة‪.‬‬

‫المدينة الفاضلة ومضاداتها) وكيف أ َّنها تجمع العلم‬      ‫ليس غريبًا إذا ما جادلنا الآخرين في حقيقة‬
  ‫بالفلسفة‪ ،‬متعاملة مع قضايا الكون والإنسان وما‬
 ‫يتواجد بينهما من موجبات وفرضيات وحجج على‬             ‫وجود موجود أول لا موجود قبله‪ ،‬وكان الفلاسفة‬
  ‫أساس عقلاني منطقي‪ ،‬بينما سنختار للتدليل على‬             ‫المسلمون الأوائل قد خاضوا في هذه الحقيقة‪،‬‬
   ‫منهجية العلم المعاصرة وأساساتها البراجماتية‬
    ‫والعقلانية كتاب الطبيب وعالم النفس المصري‬       ‫واضعين تصورات مختلفة ومتعددة تتفق جميعها في‬
 ‫الدكتور عمرو شريف والموسوم (رحلة عقل هكذا‬             ‫النتائج والمح ِّصلات‪ .‬وأغلب تلك التصورات عبارة‬
         ‫يقود العلم أشرس الملاحدة إلى الإيمان)‪.‬‬
  ‫وتقوم هذه المقارنة بين المنهجيتين على رصد‬         ‫عن رؤى معرفية تدور حول الكون والإنسان‪ ،‬و ُتبنى‬
 ‫ميكانيزمية تطورهما والتي تعني التكنيكات الواعية‬       ‫في الأساس على طروحات أفلاطون وأرسطو وما‬
‫لفحوى المنهجية وأهميتها في الظفر العقلي بحقيقة‬
‫الموجودات والاستيعاب المعرفي لعتباتها ومدياتها‬      ‫تفضي إليه من عقلانيات ميتافيزيقية تدحض دعاوى‬
    ‫ومثاباتها سواء أكان ذلك في وجودها القبلي أم‬           ‫الإلحاد وتتب َّرم من الدنيوية وتتنصل من الفكر‬
  ‫في وجودها البعدي ضمن شكلية دورية رياضية‬                                                    ‫المادي‪.‬‬
           ‫أساسها التجريب والاحتجاج والتأويل‪.‬‬
                                                        ‫وهكذا انبرى الفلاسفة والمفكرون يقولون في‬
‫والبغية من اقتناص الفوارق بين منهجية التعاطي‬         ‫الجواهر والأعراض والخير والشر والوجود والعدم‬
 ‫الفلسفي القديم ومنهجية التعاطي العلمي المعاصر‬        ‫إلى غير ذلك من الضديات الثنائية التي يقوم عليها‬
                                                    ‫نظام الكون مما تعبر عنه الماركسية بنظرية ديالكتيك‬
    ‫هو الوقوف على مفهومات العلم والعقل والدين‬         ‫التضاد(‪ ،)1‬التي تقوم على فلسفة الأضداد وأن لكل‬
 ‫والفلسفة إدراكا للحقائق في عمومياتها وتيقنًا من‬
                                                          ‫شيء ما يضاده وبسبب ذلك ينقسم العالم إلى‬
                         ‫تمامها وإثبات اكتمالها‪.‬‬           ‫حقائق صلدة خارجية وأحكام قيمية ذاتية(‪.)2‬‬
                                                          ‫ولكي نلحظ الفرق في التط ُّور المنهجي بين‬
                                                       ‫منهجية الفلسفة ومنهجية العلم‪ ،‬فإننا سنقف عند‬
                                                         ‫منهجية الفيلسوف الفارابي في كتابه (آراء أهل‬
   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29