Page 29 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 29

‫‪29‬‬        ‫إبداع ومبدعون‬                                 ‫لا يخفى مقدار الجدل حول الحدود‬
                                                            ‫التي تفصل بين معرفية العلم‬
          ‫رؤى نقدية‬
                                                          ‫والدين والفلسفة‪ ،‬فالعلم يرفض‬
                                                            ‫التسليم اليقيني والدين يرفض‬

                                                        ‫التشكيك العقلي والفلسفة ترفض‬
                                                            ‫المغالبة‪ .‬وما تسعى إليه هذه‬

                                                          ‫المجادلة هو التأسيس المعرفي‬
                                                        ‫على القياس والاستنباط والتعليل‬

‫دين هامر‬

      ‫والفلسفة ترفض المغالبة‪ .‬وما تسعى إليه هذه‬                            ‫الوراثية وهي ليست سر الحياة‪.‬‬
    ‫المجادلة عق ًل ومنط ًقا هو التأسيس المعرفي على‬           ‫والمدهش أن العلم توصل إلى أن في الإنسان‬
   ‫القياس والاستنباط والتعليل‪ ،‬وهذا ما يجعل مهمة‬          ‫مجموعة من الجينات تجعله مستع ًدا لتقبل الألوهية‬
     ‫تحديد أطر العلم ومديات الدين والفلسفة ليست‬            ‫والدين والمفاهيم الأخلاقية التي هي موجودة في‬
                                                           ‫الجينات‪ ،‬ومس َّجل فيها أن الإنسان عاطفي بطبعه‪.‬‬
                                   ‫يسيرة بالمرة‪.‬‬           ‫وقد ذهب دين هامر ‪ Dean Hamer‬إلى القول بأن‬
      ‫وأول خطوة في طريق فك الاشتباك بين هذا‬               ‫للألوهية جينًا خا ًّصا بها سماه جين الألوهية (‪the‬‬
      ‫الثالوث المعرفي‪ ،‬الاتفاق على أن ال ُمبتغى واحد‬       ‫‪ ،)god gene‬وطرحه في مجلة تايم في العدد ‪25‬‬
 ‫والمراد هو الحقيقة لا غيرها‪ .‬وستغدو المنهجية هي‬
   ‫أساس التخطيط ولب التوظيف‪ .‬وإذا كنا قد حددنا‬                                               ‫عام ‪.2004‬‬
  ‫الغاية‪ ،‬فإن بالإمكان إذن أن نح ِّدد الوسائل التي بها‬  ‫وهذه التوصلات العلمية إنما تفسر حيرة الواقعيين‬
     ‫تقنن الوظائف وتصاغ الخطط وتوضح المسالك‬
 ‫وترسم المسارات التي يراد انتهاجها كي نبلغ الغاية‬            ‫والوجوديين مثل فلوتير وسارتر الذين اختاروا‬
                                                              ‫واغتربوا عند اقتراب الموت منهم‪ ،‬كما تدحض‬
                                 ‫ألا وهي الحقيقة‪.‬‬        ‫مزاعم العلمانية ‪ )32(secularism‬ودعاوى الملاحدة‪،‬‬
     ‫وعلى الرغم من أن منهجيات العلم قد تطورت‬             ‫ومنهم نيتشه الذي نفى وجود الإله ووضع الإنسان‬
   ‫من كونها براجماتية عقلانية إلى تجريبية إمبريقية‬       ‫بدي ًل عنه‪ ،‬وب َّشر بمجيء الإنسان الأعلى أو الانسان‬
    ‫متجاوزة الأطر الكلاسيكية إلى أخرى حداثية؛ إلا‬         ‫الراقي (السوبرمان) القادر على كل شيء والمرجع‬
 ‫إن الإلهيات ظلت تراوح في حدود التفسير والتأويل‬            ‫لكل شيء(‪ .)33‬ولا غرو أن هذه التوصلات تؤيدها‬
    ‫اللذين يظلان مح َّددين بمحظورات قد تعيق العقل‬        ‫أي ًضا الديانات الوضعية كالكونفوشوسية والشنتوية‬
‫وتمنعه من الانسياح في التفكير والتوغل في التجريب‬           ‫اليابانية والطاوية أو اليوجا والبوذية والهندوسية‬

                   ‫والتفنن في التنظير والافتراض‪.‬‬                                                ‫وغيرها‪.‬‬
   ‫وبالرجوع إلى الفلسفة القديمة ممثلة بالفارابي‬
                                                            ‫ثال ًثا‪ :‬التلاقي بين المنهج العقلاني القديم‬
     ‫نجد أن منهجية العلم ما كان لها أن تتنافى مع‬                            ‫والمنهج العلمي المعاصر‬
‫منهجية الفلسفة الموصوفة بأنها إسلامية‪ ،‬لهذا كان‬
                                                           ‫لا يخفى مقدار الجدل حول الحدود التي تفصل‬
    ‫الاحتجاج والجدال والتعليل بمثابة مناهج أتاحت‬           ‫بين معرفية العلم والدين والفلسفة‪ ،‬فالعلم يرفض‬
   ‫للفارابي توكيد فرضياته وإثبات نظرياته ودحض‬
    ‫ما يضادها‪ .‬ولقد شغلته مسألة الإيمان والشرك‬                ‫التسليم اليقيني والدين يرفض التشكيك العقلي‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34