Page 32 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 32

‫العـدد ‪١٩‬‬                            ‫‪32‬‬

                                                               ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫د‪ .‬محمد سعيد محفوظ‬

‫المجاز بين مراحل الّتأويل والتأويلية‬

‫النص لا يبدأ من فراع؛ إنما يستند إلى معرفة أولية موطئة له‪ ،‬وفي ذات‬
‫اللحظة نحن لا نلتقي النص الأدبي ولا نجابهه خارج إطار مكاني؛ بل‬
‫تحكمنا آنية زمانية وحيز مكاني‪ ،‬ولا نتلقاه بصمت قاتل؛ بل نبادئه‬
‫بأطروحات وأسئلة استكشافية‪ ،‬هي كلمات مفتاحية‪ ،‬هي علامة ولوج‬
‫داخل نيته‪ ،‬هي وثيقة وجودنا ووجوده وعقد مكتوب شفاهة ضمن ًّيا‪،‬‬
‫وهي قطرة لشلال هادر من استجابات‪ ،‬لا تني تتوالد لدي ذهن المؤول‪.‬‬

‫الميتافيزيقية السيكولوجية‪ ،‬مرتهنة بسياحاته المرتدة‬           ‫هدف هذا البحث هو استشراف مراحل التأويل‪،‬‬
 ‫تأوي ًل‪ ،‬الَّذي قد زاحمته أفكار استبقته لذينك النص‪.‬‬
  ‫وأنا لا أذهب لما ذهب إليه (ريكور)‪ :‬من تسمية‬              ‫واستكناه ارتدادها على المجاز‪ ،‬ومن ث َّم الوقوف على‬
      ‫هذه المرحلة‪ ،‬بـ‪( :‬مرحلة ما قبل الفهم)(‪)1‬؛ إذ‬           ‫حقيقة تموقع المجاز من تلك المراحل‪ .‬إ َّن القا َّر في‬
      ‫إ َّن المؤول قبل الفهم؛ سينطلق إذن من قاعدة‬
    ‫فوضوية عبثية‪ ،‬لا تمتلك الأدوات والأطروحات‬              ‫الأذهان أن أم ًرا كهذا من المحال أن يتدافع ويتسارع‬
‫والآليات‪ ،‬مرحلة خالية من أية حمولات‪ .‬غير أنه من‬              ‫هكذا غف ًل ساذ ًجا؛ إنما الَّذي تطمئن إليه النفس أنه‬
  ‫البدهي أن يكون المؤول في هذه المرحلة وقبل أن‬                  ‫يرتكن إلى مراحل‪ ،‬تفتقر كل مرحلة للتي تليها؛‬
   ‫يدلف أرضية النص وتدجين حراثته الأولى‪ ،‬بات‬                ‫تعضدها‪ ،‬وهي مراحل لا يكاد يختلف عليها نفر من‬
   ‫وفي مخيلته مخاتل العملية التَّأويليَّة‪ :‬من ظروف‬
  ‫ومعطيات عصره‪ ،‬وتجلياته الثقافية‪ ،‬والَّذي أذهب‬            ‫أولئك الباحثين العاملين في هذا الحقل إلا في مرحلة‬
‫إليه وأؤمن به أن أنعت هذه المرحلة بـ‪( :‬الفرضية)‬                ‫أو مرحلتين‪ ،‬على أقصى تقدير‪ ،‬قد تدمجان م ًعا‪.‬‬
 ‫أو (الحدس) أو (التخمين) أو (التنبؤ) أو (الأحكام‬                                        ‫هذه المراحل هي‪:‬‬
 ‫المسبقة)‪ ،‬أو‪( :‬أولية الفهم)‪ ،‬كما آمن بذلك هيدجر‪،‬‬
  ‫وغادامير وإيزر وإيكو‪ ،‬وقد نعت د‪.‬عزيز التميمى‪،‬‬               ‫‪ )1‬مرحلة ما قبل الفهم‪( :‬قبلية الرؤية‬
    ‫هذه المرحلة‪ ،‬بـ‪( :‬الوصف أو التوصيف)‪ ،‬وهي‬                             ‫والفهم «الأحكام المسبقة»)‬
  ‫«تحديد مجموع المواصفات والشروط والعلاقات‪،‬‬
  ‫أي تحديد المستوي السيمانطيقى‪ ،‬ومعرفة الطبقة‬                 ‫فالنص لا يبدأ من فراع؛ إنما يستند إلى معرفة‬
        ‫النوعية التي ينتمي إليها الجنس الأدبى»(‪.)2‬‬              ‫أولية موطئة له‪ ،‬وفي ذات اللحظة نحن لا نلتقي‬
         ‫إن تأويل أي نص‪ ،‬يفترض معرفة أولية‬                      ‫النص الأدبي ولا نجابهه خارج إطار مكاني؛ بل‬
   ‫بخصائص الجنس الأدبي الَّذي ينتمي إليه النص؛‬
   ‫إذ إن التَّأويل ليس رج ًما بالغيب‪ ،‬أو قو ًل اعتباطيًّا‬   ‫تحكمنا آنية زمانية وحيز مكاني‪ ،‬ولا نتلقاه بصمت‬
                                                            ‫قاتل؛ بل نبادئه بأطروحات وأسئلة استكشافية‪ ،‬هي‬

                                                               ‫كلمات مفتاحية‪ ،‬هي علامة ولوج داخل نيته‪ ،‬هي‬
                                                           ‫وثيقة وجودنا ووجوده وعقد مكتوب شفاهة ضمنيًّا‪،‬‬
                                                           ‫وهي قطرة لشلال هادر من استجابات‪ ،‬لا تني تتوالد‬

                                                            ‫لدي ذهن المؤول‪ ،‬وقد طفق يرتبها وف ًقا لانطباعاته‬
   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37