Page 36 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 36

‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪36‬‬

                                                                              ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫في النكاح‪ ،‬ومرحلة التفسير هذه أدعوها بـ‪( :‬مرحلة‬                                  ‫هو‪ ،‬أما «التَّأويل فيعني به ذلك الوجه المجلي أو‬
   ‫ما قبل الفهم)‪ ،‬ث َّم يأتي الفهم‪ ،‬والمرحلة المتعمقة‬                          ‫المحك الفعلى؛ لأنه يطرح صلاحية تلك الأحكام مع‬
       ‫(مرحلة التَّأويل)‪ ،‬حيث استوعب هذا المجاز‬
 ‫مجازين هما‪ :‬مجاز الملازمة ومجاز السببية‪ ،‬فهما‬                                            ‫معطيات النص أو عدم صلاحيتها»(‪.)18‬‬
                        ‫مجازان‪ ،‬إنه مجاز المجاز‪.‬‬                                     ‫لقد كان من المأمول من جادامير أن ينعت‬
  ‫إن كل مرحلة حتما ستسلمنا للتي تليها طواعي ًة‬                                  ‫مرحلة‪( :‬التطبيق) تلك بـ‪( :‬التَّأويل) وكذا يستزيد‬
      ‫وآليًّا‪ ،‬حتى نصل إلى المرحلة النهائية مرحلة‬                             ‫في مرحلة الفهم هذه بكلمة واحدة‪( :‬الفهم والتَّأويل)‬
   ‫التقويم التي تبين أن المجاز السابق ليس واح ًدا‪،‬‬
    ‫بل يحوي مجازين؛ نظ ًرا للتشابك والتداخل بين‬                                                            ‫كما أشرنا بذلك آن ًفا‪.‬‬
       ‫ذات بينهما وتمازج أواصر‪ ،‬بات من الصعب‬                                       ‫‪ -5‬أخي ًرا لسنا مع د‪.‬عائشة عويسات؛ حين‬
      ‫الفصل بينهما‪ ،‬ولا يمكن فهم أحدهما بإقصاء‬                                 ‫صدرت تلك المراحل‪ ،‬بمرحلة‪( :‬الفهم)(‪ )19‬وجعلتها‬
                                                                                  ‫ريادة هاتيك المراحل؛ فالفهم لا يتدافع هكذا ولا‬
‫الآخر؛ فالوطء سر‪ ،‬والعقد الَّذي سببه‪ ،‬سر‪ ،‬وسمي‬                                ‫يتيسر بداءة‪ ،‬فحينما يستحيل الفهم الابستيمولوجي‬
       ‫عقد النكاح نكا ًحا وهكذا في متوالية حسابية‬
                                                                                      ‫فه ًما أنطولوجيًّا‪ ،‬وحين يغدو في (الكوجيتو‬
 ‫مجازية وكذا قوله تعالى‪َ « :‬أ ْن َز ْل َنا َع َل ْي ُك ْم لِ َبا ًسا»(‪)22‬‬                   ‫الديكارتي) فهو بلا غضاضه تأويل‪.‬‬
    ‫وكذا قوله تعالى‪َ « :‬و َم ْن َي ْك ُف ْر ِبا ْلِي َما ِن َف َق ْد َحبِ َط‬
                                      ‫َع َملُ ُه»(‪.)23‬‬                             ‫‪ -6‬صفحة القول‪ :‬إن (مرحلة التفسير) هذه‬
    ‫وهذا مثيل قول عبد القاهر الجرجاني‪( :‬معنى‬                                   ‫تتكفل باستجلاء المكتوب‪ ،‬أما (مرحلة الفهم)‪ ،‬فهي‬

‫المعنى)‪ ،‬ومن المح َّقق أن يستب َّد بنا العجب وتتملكنا‬                              ‫تستجلب وتستحضر ذات الآخر وترغمها على‬
      ‫الغرابة أمام قول د‪.‬لطفي عبد البديع «والقول‬                              ‫الإقرار بما خالجها من همهمات نفسانية‪ ،‬وإن شئت‬

 ‫بالواسطة بين الحقيقة والمجاز لا يعدله في الغرابة‬                                ‫فقل بانطباعات تلك الذات‪ ،‬حيال ما يمكن أن يقال‬
      ‫عندي إلا القول‪ :‬بمجاز المجاز‪ ،‬وهو أن تجعل‬                                   ‫ولا يقال‪ ،‬هذه هي حقيقة تلك المراحل‪ ،‬ليس إلا‪،‬‬
                                                                               ‫ولكن الصواب كل الصواب قد جانب د‪ .‬بن صافي‬
 ‫المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة‬                               ‫نزيهة‪ ،‬حين التأكيد على أن الفهم لدي دلتاي قائم‬
   ‫إلى مجاز آخر‪ ،‬فيتجوز بالمجاز الثاني من الأول‬                               ‫على التفسير تارة‪ ،‬والتَّأويل تارة أخرى(‪)20‬؛ إذ ليس‬
                              ‫لعلاقة بينهما»(‪.)24‬‬                               ‫من المعقول أن يؤول الإنسان أو ًل‪ ،‬ث َّم يفهم ثانيًا‪،‬‬
       ‫أقول له إن ما ذهبت إليه مردود عليه لعدة‬                                   ‫ث َّم يفسر ثالثًا؛ فالتَّأويل مرجعه التفسير فالفهم‪،‬‬
                                         ‫أسباب‪:‬‬
    ‫أو ًل‪ :‬إذا كنا نقر بوجود مجاز‪ ،‬فما الضير من‬                                             ‫وبذا يكون هذا الترتيب ليس من َّض ًدا‪.‬‬
                                                                                 ‫ولو استقصينا دقائق هذه المراحل في المجاز‬
‫وجود مجازين والإقرار بهما تما ًما كإقرارنا بوجود‬
                          ‫المعني ومعني المعنى؟!‬                                      ‫المتمثل في قوله تعالى‪َ « :‬و َل ِك ْن َل ُت َوا ِع ُدو ُه َّن‬
                                                                               ‫ِس ًّرا»(‪ )21‬وقلنا ما علاقة السر بالوطء بالعقد؟ فإننا‬
   ‫ثانيًا‪ :‬لو سلمنا بعدم وجود وشرعية مصطلح‪:‬‬
  ‫مجاز المجاز‪ ،‬فكيف عسانا نفهم المعنى السابق؟!‬                                      ‫بذلك نستلهم أولى تلك المراحل والتي أدعوها‬
‫ثالثًا‪ :‬خطؤه في الجمع بين مجاز المجاز‪ ،‬والقول‬                                 ‫بـ(الاستكشافية الحائمة)‪ ،‬وكان لا ب َّد مما ليس منه‬
                                                                              ‫بد أن نتسارع طارقين ما يتلوها من مراحل ألا وهي‬
    ‫بالواسطة بين الحقيقة والمجاز‪ ،‬هو جمع منا ٍف‬
 ‫مجا ٍف لروح المنطق‪ ،‬التي تأخذ بمبدأ القياس؛ لكنه‬                                ‫التفسيرية‪ ،‬التي خفت في تبيان ذلك‪ ،‬حين قولها‪:‬‬
                                                                                  ‫إنه تعالى تجوز عن الوطء بالسر إذ لا يقع غالبًا‬
        ‫قياس مع الفارق؛ إذ لا يصح أص ًل للقياس‪.‬‬                                 ‫إلا س ًّرا‪ ،‬فلما لازم السر في الغالب س ِّمي س ًّرا‪ ،‬ث َّم‬
‫راب ًعا‪ :‬صاحب هذه المقولة‪ ،‬هو ابن قيم الجوزية‪،‬‬                                   ‫تجوز بالسر عن العقد؛ لأنه مسبب عنه‪ ،‬فمسوغ‬
                                                                                  ‫المجاز الأول‪ ،‬الملازمة‪ ،‬ومسوغ المجاز الثاني‪،‬‬
      ‫وليس السيوطي الَّذي زاد على القول السابق‪،‬‬                                 ‫السببية‪ ،‬وهو تعبير باسم المسبب الَّذي هو السر‬
‫وجلاه بعض الشيء وتنوسي ابن قيم الجوزية‪ ،‬هذا‬                                     ‫عن العقد‪ ،‬الَّذي هو السبب‪ ،‬والمعنى لا تواعدوهن‬
                                                                              ‫عقد نكاح كما سمي عقد النكاح نكا ًحا؛ ولكونه سببًا‬
  ‫لمن يريد التثبت والوقوف على الحقيقة‪ ،‬ومراجعة‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41